الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3808 77 - حدثني إسحاق ، أخبرنا حبان ، أخبرنا جويرية بن أسماء ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير ، قال : ولها يقول حسان بن ثابت :


                                                                                                                                                                                  وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير

                                                                                                                                                                                  قال : فأجابه أبو سفيان بن الحارث :


                                                                                                                                                                                  أدام الله ذلك من صنيع     وحرق في نواحيها السعير
                                                                                                                                                                                  ستعلم أينا منها بنزه     وتعلم أي أرضينا تضير



                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  وإسحاق هو ابن منصور المروزي ، وقيل : إسحاق بن راهويه ، والأول أشهر ، وحبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن هلال الباهلي البصري .

                                                                                                                                                                                  والحديث مر في كتاب المزارعة في باب قطع الشجر والنخل ، ومر الكلام فيه هناك ، ونذكر بعض شيء لبعد المدى .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وهان " وفي رواية الكشميهني : لهان باللام بدل الواو ، وفي رواية [ ص: 129 ] الإسماعيلي هان بلا لام ولا واو .

                                                                                                                                                                                  قوله " على سراة " سراة القوم ساداتهم .

                                                                                                                                                                                  قوله " بني لؤي " بضم اللام وفتح الهمزة وتشديد الياء ، والمراد بهم صناديد قريش وأكابرهم ، وقال الكرماني : أي رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأقاربه ، وفي التوضيح : لأن قريشا هم الذين حملوا كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة على نقض العهد بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى خرج معهم إلى الخندق .

                                                                                                                                                                                  قوله " مستطير " أي منتشر مشتعل .

                                                                                                                                                                                  قوله " فأجابه أبو سفيان " هو ابن الحارث بن عبد المطلب ، وهو ابن عم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وكان حينئذ لم يسلم ، وقد أسلم بعد في الفتح وثبت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بحنين .

                                                                                                                                                                                  قوله " أدام الله " ، قال الكرماني : فإن قلت : كيف قال " أدام الله ذلك " أي تحريق المسلمين أرض الكافرين وهو كان كافرا لا يدعو لهم ؟ قلت : غرضه أدام الله تحريق تلك الأرض بحيث يتصل بنواحيها وهي المدينة وسائر مواضع أهل الإسلام ، فيكون دعاء عليهم لا لهم .

                                                                                                                                                                                  قوله " منها " أي من البويرة ; أي جهتها وإحراقها ، ويروى " منهم " ; أي من بني النضير .

                                                                                                                                                                                  قوله " بنزه " بضم النون وسكون الزاي ; أي ببعد وزنا ومعنى ، وهو في الأصل من النزاهة وهي البعد من السوء ، وجاء فيه فتح النون .

                                                                                                                                                                                  قوله " أي أرضينا " بالتثنية ; أي المدينة التي هي دار الإيمان ومكة التي كانت بها الكفار .

                                                                                                                                                                                  قوله " تضير " بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الضاد المعجمة ، من ضار يضير ضيرا وهو الضر ، قال الكرماني : وفي بعضها نضير - بالنون - من النضارة على وزن فعيل ، وقد وقع في عيون الأثر لأبي الفتح بن سيد الناس عن أبي عمرو الشيباني أن الذي قال " هان على سراة بني لؤي " هو أبو سفيان ابن الحارث ، وأنه قال عز بدل هان ، وأن الذي أجاب بقوله " أدام الله ذلك من صنيع ... " البيتين - هو حسان . قال : وهو من أشبه من الرواية التي وقعت في البخاري . انتهى ، قيل : لم يذكر مستند الترجيح ، والذي يظهر أن الذي في الصحيح أصح . انتهى ، قلت : يصلح للترجيح قول أبي عمرو الشيباني لأنه أدرى بذلك من غيره على ما لا يخفى على أحد .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية