الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                حرمة اللواطة عقلية فلا وجود لها في الجنة ، [ ص: 186 - 187 ] وقيل سمعية فلها وجود فيها .

                19 - وقيل يخلق الله تعالى طائفة يكون نصفها الأعلى على صفة الذكور ونصفها الأسفل على صفة الإناث .

                20 - والصحيح هو الأول ( انتهى ) .

                وفي اليتيمة : أن الأب يعزر إذا شتم ولده [ ص: 188 ] مع كونه لا حد له

                التالي السابق


                ( 17 ) قوله : حرمة اللواطة عقلية . أقول : هذا إنما يتم على مذهب المعتزلة [ ص: 186 ] القائلين بحرمة ما استقبحه العقل ; لأنه عندهم موجب على القطع والبتات وحاكم بالحسن والقبح ومقتض للمأمورية والممنوعية شرعا وإن لم يرد كما أنه يحكم على الله تعالى بوجوب الأصلح ، وحرمة تركه عندهم . وليس له أن يعكس القضية إلا أنه قد يستقل كما في حسن العدل وقبح الظلم ، وقد لا يستقل كما في حسن صوم يوم الأخير من رمضان وقبح صوم العيد ، لأن الشرع لما ورد بحسن الأول وقبح الثاني علمنا أنه لولا اختصاص كل منهما بشيء لأجله حسن وقبح لما ورد الشرع به فالعقل مثبت في الكل والشرع مبين في البعض . وأما عند الحنفية فالعقل آلة لمعرفة الحسن والقبح لا موجب لهما وحاكم بهما وإلا لما جاز ورود النسخ عليهما ; لأن الحسن والقبح الفعليين لا يرد عليهما التبديل ، فالحاكم والموجب هو الله تعالى من أن يحكم عليه غيره فالشرع مثبت في الكل والعقل مبين في البعض فله حظ في معرفة حسن بعض المشروعات ، كالإيمان وأصل العبادات والعدل والإحسان فيثبت بهذا أن الأمر دليل ومعرف لما ثبت حسنه في العقل وموجب لما لم يعرف به .

                وأما عند الأشاعرة فالحسن والقبح شرعيان بمعنى أنه لا حظ للعقل في معرفتهما ، أي العقل قبل ورود الشرع لا يعرف ما ينبغي أن يكون مأمورا به أو منهيا عنه شرعا . فالشرع هو المثبت للحسن والقبح ولو عكس القضية فحسن الشرع ما أقبحه العقل وبالعكس ، لم يكن ممتنعا ، فالحسن والقبح إنما يعرفان بالأمر والنهي ، فيكون الحسن والقبح ثابتين بنفس الأمر والنهي ، لا أنهما دليلان على حسن وقبح سبق ثبوتهما بالعقل هكذا فهم تقرير المذاهب الثلاثة .

                والتفرقة بينها من عبارة الميزان وغيره من المتون والشروح وبما قررناه علم أن لا خلاف بين العلماء في أن الحسن والقبح بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته كالحلو والمر ، ومعنى كون الشيء صفة كمال وصفة نقصان كالعلم والجهل عقليان وإنما الخلاف في كون الشيء معلق المدح في العاجل والثواب في الآجل ومتعلق الذم في العاجل والعقاب في الآجل ، كالعبادة والمعاصي شرعيان أو عقليان ولا خلاف أيضا في أن الحسن والقبح معروفان شرعا لكل مأمور وحسن اتفاقا ضرورة أن الآمر حكيم وهو لا يأمر بالقبيح ، وهذا نبذ مما أطنبوا في هذا المقام الذي حارت أفكار المتكلمين في ملاحظته وثابرت أنظار المتفكرين في غوامضه تنبيها على المقدار الذي يستدعي المقام بيانه ويقتضي الشرع فيه تبيانه . [ ص: 187 ]

                ( 18 ) قوله : وقيل سمعية فلها وجود فيها . في شرح المشارق للأكمل أن اللواطة محرمة عقلا وشرعا وطبعا بخلاف الزنا فإنه ليس بحرام طبعا فكانت أشد حرمة ، وإنما لم يوجب الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى الحد فيها لعدم الدليل عليه لا لخفتها ، وإنما عدم وجوب الحد فيها للتغليظ على الفاعل ; لأن الحد مطهر على قول بعض العلماء ( انتهى ) .

                وفي الفتح : هل تكون اللواطة في الجنة أي يجوز كونها فيها ؟ قيل : إن كان حرمتها عقلا وسمعا لا تكون وإن كان سمعا فقط ، جاز أن يكون ( انتهى ) .

                ومعنى كون حرمتها عقلا أن العقل مبين ومعرف للحرمة لا مثبت والمثبت حقيقة إنما هو الشرع عندنا وحينئذ فإسناد التحريم إلى العقل وكذا إلى الطبع مجاز .

                ( 19 ) قوله : وقيل يخلق الله طائفة إلخ يوهم أنه قول ثالث في المسألة وليس كذلك .

                ( 20 ) قوله : والصحيح هو الأول قال بعض الفضلاء هذا مبني على قول من أثبت القبح والحسن العقليين كالحنفية والمعتزلة ، وإلا فالأشاعرة على أن لا حسن ولا قبح إلا بالسمع ( انتهى ) .

                أقول نسبة ما ذكر إلى الحنفية فرية بلا مرية ، كما يعلم ذلك مما حققناه قريبا وقد صحح في الفتح عدم وجودها في الجنة وإن قلنا : إن حرمت سمعية حيث قال وإن كان سمعيا فقط جاز أن يكون فيها ، والصحيح أنها لا تكون ; لأن الله تعالى استبعده واستقبحه فقال الله تعالى { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } وسماه خبيثة فقال تعالى { كانت تعمل الخبائث } والجنة منزهة عنها وفيه [ ص: 188 ] أنه لا يلزم من كون الشيء خبيثة في الدنيا أن لا يكون له وجود في الجنة ، ألا ترى أن الخمر أم الخبائث في الدنيا ولها وجود في الآخرة فتدبر هذا .

                وقد ذكر في الفتوحات الملكية في صفة أهل الجنة أنهم لا أدبار لهم ; لأن الدبر إنما خلق في الدنيا لخروج الغائط النجس فليس الجنة محلا للقاذورات ( انتهى ) .

                قلت فعلى هذا لا وجود لها في الجنة على كل حال والحمد لله الكبير المتعالي .

                ( 21 ) قوله : مع كونه لا حد له . لا يقال إذا سقط الحد الذي هو الأعلى فلم لا يسقط التعزير الذي هو الأدنى ; لأنا نقول الحد يندرئ بالشبهة ; لأنه حق لله تعالى وحرمة الأبوة شبهة صالحة للدرء والتعزير خالص حق العبد وهو لا يندرئ بالشبهة ولا يلزم من سقوط الأعلى سقوط الأدنى




                الخدمات العلمية