الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو كان ثلاث بنين ، وأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب ، فالمسألة تخرج من تسعة وثلاثين الثلث منها ثلاثة عشر ، والنصيب بعد الاستثناء تسعة ، وتخريجها على طريقة الحشو أن تأخذ عدد البنين ، وهو ثلاثة ثم زد عليها سهما لأجل النصيب فتصير أربعة ثم اضرب الأربعة في ثلاثة ; ; لأن المستثنى ثلاثة فتصير اثني عشر ، ثم زد واحدا فتصير ثلاثة عشر فهذا ثلث المال ، وثلثاه مثلاه ، وذلك ستة وعشرون .

                                                                                                                                ( وأما ) معرفة النصيب الكامل فهو أن تأخذ النصيب ، وذلك سهم واحد ، واضربه في مخرج الثلث فتصير ثلاثة ، ثم اضرب ثلاثة في ثلاثة لمكان الثلث فتصير تسعة ، ثم زد عليها واحدا كما زدت في الثلث فتصير عشرة فهو النصيب الكامل ، فأعط لصاحب النصيب عشرة من الثلث ، وهو ثلاثة عشر ، فيبقى من الثلث بعد النصيب ثلاثة ثم استرجع من النصيب بسبب الاستثناء ثلث ما يبقى من الثلث ، وذلك واحد ، وضمه إلى ما بقي من الثلث ، فتصير أربعة .

                                                                                                                                فهذه الأربعة فضلت عن الوصية فضمها إلى ثلثي المال ، وذلك ستة وعشرون فتصير ثلاثين لكل ابن عشرة مثل النصيب الكامل قبل الاستثناء ، وحصل للموصى له بعد الاستثناء تسعة .

                                                                                                                                ( وأما ) التخريج على طريقة الخطائين : فهو أن تجعل ثلث المال عددا لو أعطيت بالنصيب شيئا ، ثم استرجعت من النصيب بالاستثناء ثلث ما بقي من الثلث بعد النصيب ، يبقى في يد الموصى له شيء ، وأقل ذلك خمسة فأعط بالنصيب سهمين ، ثم استرجع منه سهما لمكان الاستثناء ، وضمه إلى ما بقي من الثلث بعد النصيب فتصير أربعة فهي فاضلة من الوصية فضمها إلى ثلثي المال ، وذلك عشرة فصار أربعة عشر ، وحاجتك إلى ستة ; لأنك أعطيت بالنصيب الكامل سهمين فظهر أنك أخطأت بثمانية ، فزد على النصيب سهما آخر حتى إذا أعطيت بالنصيب ثلاثة يبقى بعده ماله ثلث لمكان الاستثناء .

                                                                                                                                فاجعل الثلث ستة فأعط النصيب ثلاثة يبقى ثلاثة ثم استرجع من النصيب سهما فصار معك أربعة فضمها إلى ثلثي المال ، وذلك اثنا عشر فصار ستة عشر ، وحاجتك إلى تسعة ; لأنك أعطيت بالنصيب ثلاثة فيجب أن يكون لكل ابن مثل ذلك ثلاثة فظهر أنك أخطأت في هذه الكرة بزيادة سبعة ، والخطأ الأول كان بزيادة ثمانية ، فتبين لك أن كل سهم زيد على الثلث يذهب سهما من الخطأ ، فزد سبعة على الثلث الأول ، وهو ستة فتصير ثلاثة عشر فهو الثلث ، فأعط بالنصيب عشرة يبقى إلى تمام الثلث ثلاثة ثم استرجع سهما فصار أربعة فضمها إلى ثلث المال ، وهو ستة وعشرون فتصير ثلاثين على نحو ما ذكرنا ، وطريقة الجامع الأصغر على ما بينا ، وهو أن لا تزيد على النصيب عند ظهور الخطأين ، ولكن خذ الثلث الأول ، وذلك خمسة ، واضربه في الخطأ الثاني ، وذلك سبعة فتصير خمسة وثلاثون ، ثم خذ الثلث الثاني ، وذلك ستة واضربه في الخطأ الأول ، وذلك ثمانية يصير ثمانية وأربعين ، ثم اطرح الأقل من الأكثر يبقى ثلاثة عشر فهو ثلث المال .

                                                                                                                                ( وأما ) معرفة النصيب : فخذ النصيب الأول بعد الاستثناء ، وذلك سهم ، واضربه في الخطأ الثاني ، وذلك سبعة فتصير سبعة ثم خذ النصيب الثاني ، وذلك سهمان ، واضربه في الخطأ الأول ، وذلك ثمانية فتصير ستة عشر ، ثم اطرح الأقل من الأكثر يبقى تسعة فهو النصيب ، ثم الباقي على نحو ما ذكرنا .

                                                                                                                                ( وأما ) طريقة الجامع الأكبر : فهو أن تضعف الثلث الأول سوى النصيب ، وذلك أربعة فضعفها فتصير [ ص: 365 ] ثمانية ثم زد عليه النصيب ، وذلك سهم فتصير تسعة فهو الثلث الثاني ، فأعط بالنصيب ثلاثة يبقى ستة فثلث ما بقي سهمان ، ثم استرجع من النصيب ثلث ما يبقى ، وذلك سهمان ، وضمهما إلى ما معك ، وذلك ستة فتصير ثمانية فهي فاضلة عن الوصية ، وضمها إلى ثلثي المال ، وذلك ثمانية عشر فتصير ستة وعشرين ، وحاجتك إلى تسعة ; لأنك أعطيت بالنصيب ثلاثة فيجب أن يكون لكل ابن ثلاثة فظهر أنك أخطأت بزيادة سبعة عشر في طريقة الجامع الأكبر ، والخطأ الأول في طريقة الخطائين كان بزيادة ثمانية ، فخذ الثلث الأول في طريقة الخطائين وذلك خمسة ، واضربه في الخطأ الثاني ، وذلك سبعة عشر فتصير خمسة وثمانين ، ثم خذ الثلث الثاني ، وذلك تسعة ، واضربه في الخطأ الأول ، وذلك ثمانية فتصير اثنين ، وسبعين ، ثم اطرح الأقل من الأكثر يبقى ثلاثة عشر فهو ثلث المال .

                                                                                                                                ( وأما ) معرفة النصيب : فخذ النصيب الأول من طريق الخطائين ، وذلك سهم ، واضربه في الخطأ الثاني من الجامع الأكبر ، وذلك سبعة عشر بسبعة عشر ، وخذ النصيب الثاني ، وذلك سهم من طريقة الجامع الأكبر ، واضربه في الخطأ الأول ، وذلك ثمانية بثمانية ، واطرح الأقل من الأكثر فيبقى تسعة فهو النصيب يبقى ثلاثون بين البنين لكل واحد منهم عشرة ، هذا إذا قال : إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب ( فأما ) إذا قال : إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصية ، فأصل المسألة ما ذكرنا في الفصل الأول إلا أن في تخريجه ضرب تفاوت .

                                                                                                                                ( أما ) على طريقة الحشو : فهو أن تأخذ عدد البنين ، وذلك ثلاثة ، وتزيد عليه واحدا ، ثم تضربها في مخرج النصف ، وهو سهمان ، وإنما ضربنا هذا في سهمين ، والأول في ثلاثة ; لأن مقصود الموصي ههنا أن يكون المستثنى بعد الوصية الحاصلة ثلث ما بقي ، ولن يكون ذلك إلا أن يكون قبل الاسترجاع معه سهمان ، حتى إذا استرجعت منه شيئا يكون المسترجع ثلث ما بقي ، ومقصوده في المسألة الأولى إلا أن يكون المستثنى بعد النصيب قبل الاسترجاع مثل ثلاثة ، ولن يكون ذلك إلا وأن يكون معه ثلاثة قبل الاسترجاع ، حتى إذا استرجعت شيئا يكون المسترجع ربعه ، فإذا ضربت أربعة في اثنين بلغ ثمانية ثم تزيد واحدا فتصير تسعة فهذا ثلث المال ، وثلثاه مثلاه ، وهو ثمانية عشر .

                                                                                                                                ( فأما ) معرفة النصيب فخذ النصيب ، وذلك واحد ، واضربه في مخرج الثلث ، فتصير ثلاثة فاضرب الثلاثة في مخرج النصف ، وذلك سهمان فتصير ستة ثم زد عليه سهما فتصير سبعة فهو النصيب ، فأعط صاحب النصيب سبعة يبقى إلى تمام الثلث سهمان ، ثم استرجع منه سهما فضمه إلى ذلك فتصير ثلاثة فضمها إلى ثلث المال فيصير واحدا وعشرين لكل ابن سبعة .

                                                                                                                                ( وأما ) طريقة الخطائين : فهي أن تجعل ثلث المال عددا لو أعطيت منه نصيبا ، واسترجعت منه شيئا يكون المسترجع مثل نصف ، وأقل ذلك أربعة ادفع للموصى له بالنصيب سهمين ، ثم استرجع منه سهما ، ضمه إلى ما بقي ، وهي اثنان وما بقي وهو سهم المال فتصير ثلاثة فضمها إلى ثلثي المال ، وذلك ثمانية فتصير أحد عشر ، وحاجتك إلى ستة ; لأنك أعطيت بالنصيب سهمين فظهر أنك أخطأت بزيادة خمسة فزد في النصيب سهما ، وأعط بالنصيب ثلاثة ثم استرجع منه سهما ، وضمه إلى ما بقي فتصير ثلاثة فضمها إلى ثلثي المال ، وذلك عشرة فتصير ثلاثة عشر ، وحاجتك إلى تسعة ; لأنك أعطيت بالنصيب ثلاثة فظهر أنك قد أخطأت بزيادة أربعة ، فظهر أنك كلما زدت درهما يزول خطأ درهم ، فزد في الابتداء على النصيب قدر خطأ الأول ، وهو خمسة فبلغ سبعة ، وبقي إلى تمام الثلث بعد النصيب سهمان فاسترجع منه سهما ، وضمه مع الباقي إلى ثلثي المال ، وهو ثمانية عشر فصار أحدا ، وعشرين ، فأعط لكل ابن سبعة ، وللموصى له ستة هذا إذا قيد قوله : إلا ثلث ما يبقى من الثلث بالنصيب ، أو بالوصية .

                                                                                                                                ( فأما ) إذا أطلق بأن قال : إلا ثلث ما يبقى من الثلث ولم يزد عليه ، قال محمد : قال عامة الحساب يعني : المعروفين بعلم الحساب من أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه مثل الحسن بن زياد ، وغيره : هذا بمنزلة الفصل الأول ، وهو ما إذا قال : إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب .

                                                                                                                                وقال محمد رحمه الله هو بمنزلة الفصل الثاني ، وهو ما إذا قال : إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصية .

                                                                                                                                ( وجه ) قول العامة : أنه لما قال : أوصيت لك بمثل نصيب أحد بني ، فقد أتى بوصية صحيحة ، واستحق ربع المال ; لأنه جعل نصيبه مثل نصيب أحد بنيه كأنه أحد بنيه ، فلما قال : إلا ثلث ما يبقى من الثلث ، فقد استخرج بالاستثناء بعض الوصية مطلقا ، وذلك [ ص: 366 ] يحتمل بعد الوصية ، ويحتمل بعد النصيب إلا أن المستخرج بالاستثناء بعد النصيب أقل ، والمستخرج بعد الوصية أكثر ، والأقل متيقن به في استخراجه ، وفي استخراج الزيادة شك فلا يثبت استخراج الزيادة بالشك ، بل تبقى الزيادة داخلة تحت المستثنى منه .

                                                                                                                                ( وجه ) قول محمد أن الاستثناء ليس باستخراج بعض الكلام لما فيه من التناقض على ما عرف في أصول الفقه ، بل هو تكلم بالباقي بعد الثنيا فلم يدخل المستثنى في صدر الكلام ; لأنه دخل ، ثم خرج بكلام الاستثناء ، فلفظ الوصية ههنا مع الاستثناء لم يتناول إلا المستثنى منه ، والمستثنى يحتمل الأقل ، والأكثر ، فلا يتناول اللفظ إلا القدر المتيقن به ، وهو الأقل .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية