الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ( 66 ) ) .

قوله تعالى : ( بطونه ) : فيما تعود الهاء عليه ستة أوجه ; أحدها : أن الأنعام تذكر وتؤنث ، فذكر الضمير على إحدى اللغتين . والثاني : أن الأنعام جنس ، فعاد الضمير إليه على المعنى . والثالث : أن واحد الأنعام نعم ، والضمير عائد على واحده ، كما قال الشاعر :


مثل الفراخ نتفت حواصله

والرابع : أنه عائد على المذكور ، فتقديره : مما في بطون المذكور ، كما قال الحطيئة :

لزغب كأولاد القطا راث خلفها على عاجزات النهض حمر حواصله والخامس : أنه يعود على البعض الذي له لبن منها . والسادس : أنه يعود على الفحل [ ص: 112 ] لأن اللبن يكون من طرق الفحل الناقة ، فأصل اللبن ماء الفحل ; وهذا ضعيف ; لأن اللبن وإن نسب إلى الفحل فقد جمع البطون ، وليس فحل الأنعام واحدا ، ولا للواحد بطون ; فإن قال : أراد الجنس ، فقد ذكر .

( من بين ) : في موضع نصب على الظرف . ويجوز أن يكون حالا من " ما " أو من اللبن .

( سائغا ) : الجمهور على قراءته على فاعل . ويقرأ " سيغا " بياء مشددة ، وهو مثل سيد وميت ، وأصله من الواو .

قال تعالى : ( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ( 67 ) ) .

قوله تعالى : ( ومن ثمرات ) : الجار يتعلق بمحذوف ، تقديره : وخلق لكم ، أو وجعل .

( تتخذون ) : مستأنف . وقيل : صفة لمحذوف ، تقديره : شيئا تتخذون - بالنصب ; أي وإن من الثمرات شيئا .

وإن شئت : " شيء " - بالرفع - بالابتداء ، و " من ثمرات " خبره . وقيل : التقدير : وتتخذون من ثمرات النخيل سكرا ، وأعاد " من " لما قدم وأخر .

وذكر الضمير ; لأنه عاد على " شيء " المحذوف ، أو على معنى الثمرات ، وهو الثمر ، أو على النخل ; أي من ثمر النخل ، أو على البعض ، أو على المذكور كما تقدم في " هاء " بطونه .

قال تعالى : ( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ( 68 ) ) . قوله تعالى : ( أن اتخذي ) : أي اتخذي ، أو تكون مصدرية .

قال تعالى : ( ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ( 69 ) ) .

قوله تعالى : ( ذللا ) : هو حال من السبل ، أو من الضمير في " اسلكي " والواحد ذلول ، ثم عاد من الخطاب إلى الغيبة ، فقال : " يخرج من بطونها " .

( فيه شفاء ) : يعود على الشراب ، وقيل : على القرآن .

قال تعالى : ( والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير ( 70 ) ) .

[ ص: 113 ] قوله تعالى : ( لا يعلم بعد علم شيئا ) : " شيئا " منصوب بالمصدر على قول البصريين . وبيعلم على قول الكوفيين .

قال تعالى : ( والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون ( 71 ) ) .

قوله تعالى : ( فهم فيه سواء ) : الجملة من المبتدأ والخبر هنا واقعة موقع الفعل والفاعل ; والتقدير : فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت إيمانهم فيستووا ، وهذا الفعل منصوب على جواب النفي . ويجوز أن يكون مرفوعا عطفا على موضع برادي ; أي فما الذين فضلوا يردون ; فما يستوون .

قال تعالى : ( ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون ( 73 ) ) .

قوله تعالى : ( رزقا من السماوات ) : الرزق بكسر الراء : اسم المرزوق . وقيل : هو اسم للمصدر ، والمصدر بفتح الراء . ( شيئا ) : فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : هو منصوب برزق ; لأن اسم المصدر يعمل عمله ; أي لا يملكون أن يرزقوا شيئا . والثاني : هو بدل من رزق .

والثالث : هو منصوب نصب المصدر ; أي لا يملكون رزقا ملكا ، وقد ذكرنا نظائره ، كقوله : ( لا يضركم كيدهم شيئا ) : [ آل عمران : 120 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية