الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ( 69 ) ) .

قوله تعالى : ( بالبشرى ) : في موضع الحال من الرسل .

( قالوا سلاما ) : في نصبه وجهان : أحدهما : هو مفعول به على المعنى كأنه قال : ذكروا سلاما . والثاني : هو مصدر : أسلموا سلاما .

[ ص: 36 ] وأما ( سلام ) الثاني فمرفوع على وجهين : أحدهما : هو خبر مبتدأ محذوف ; أي أمري سلام ، أو جوابي ، أو قولي . والثاني : هو مبتدأ ، والخبر محذوف ; أي سلام عليكم .

وقد قرئ على غير هذا الوجه بشيء هو ظاهر في الإعراب .

( أن جاء ) : في موضعه ثلاثة أوجه :

أحدها : جر ، تقديره : عن أن جاء ; لأن لبث بمعنى تأخر . والثاني : نصب ، وفيه وجهان ; أحدهما : أنه لما حذف حرف الجر وصل الفعل بنفسه ، والثاني : هو محمول على المعنى ; أي لم يترك الإتيان بعجل . والثالث : رفع على وجهين أيضا ; أحدهما : فاعل لبث ; أي فما أبطأ مجيئه . والثاني : أن " ما " بمعنى الذي وهو مبتدأ ، و " أن جاء " خبره ; تقديره : والذي لبثه إبراهيم عليه السلام قدر مجيئه ، أو مصدرية ; أي لبثه مقدار مجيئه .

قال تعالى : ( وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ( 71 ) ) .

قوله تعالى : ( وامرأته قائمة ) : الجملة حال من ضمير الفاعل في " أرسلنا "

( فضحكت ) : الجمهور على كسر الحاء . وقرئ بفتحها ; والمعنى : حاضت ، يقال : ضحكت الأرنب بفتح الحاء .

( ومن وراء إسحاق يعقوب ) : يقرأ بالرفع ; وفيه وجهان : أحدهما هو مبتدأ ، وما قبله الخبر . والثاني : هو مرفوع بالظرف .

ويقرأ بفتح الباء ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن الفتحة هنا للنصب ، وفيه وجهان ; أحدهما : هو معطوف على موضع " بإسحاق " . والثاني : هو منصوب بفعل محذوف دل عليه الكلام تقديره : ووهبنا له من وراء إسحاق يعقوب . والوجه الثاني : أن الفتحة للجر ، وهو معطوف على لفظ إسحاق ; أي فبشرناها بإسحاق ويعقوب . وفي وجهي العطف قد فصل بين يعقوب وبين الواو العاطفة بالظرف ، وهو ضعيف عند قوم ; وقد ذكرنا ذلك في سورة النساء .

قال تعالى : ( قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب ( 72 ) ) .

[ ص: 37 ] قوله تعالى : ( وهذا بعلي شيخا ) : هذا مبتدأ ، وبعلي خبره ، وشيخا : حال من " بعلي " مؤكدة ; إذ ليس الغرض الإعلام بأنه بعلها في حال شيخوخته دون غيرها ، والعامل في الحال معنى الإشارة والتنبيه ، أو أحدهما .

ويقرأ " شيخ " بالرفع . وفيه عدة أوجه ; أحدها : أن يكون " هذا " مبتدأ ، و " بعلي " بدلا منه ، و " شيخ " الخبر . والثاني : أن يكون " بعلي " عطف بيان ، و " شيخ " الخبر .

والثالث : أن يكون " بعلي " مبتدأ ثانيا ، و " شيخ " خبره ; والجملة خبر هذا . والرابع : أن يكون " بعلي " خبر المبتدأ ، و " شيخ " خبر مبتدأ محذوف ; أي هو شيخ . والخامس : أن يكون " شيخ " خبرا ثانيا . والسادس : أن يكون " بعلي " و " شيخ " جميعا خبرا واحدا ، كما نقول : هذا حلو حامض . والسابع : أن يكون " شيخ " بدلا من بعلي .

قال تعالى : ( قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ( 73 ) ) .

قوله تعالى : ( أهل البيت ) : تقديره : يا أهل البيت ، أو يكون منصوبا على التعظيم والتخصيص ; أي أعني .

ولا يجوز في الكلام جر مثل هذا على البدل ; لأن ضمير المخاطب لا يبدل منه إذا كان في غاية الوضوح .

قال تعالى : ( فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط ( 74 ) ) .

قوله تعالى : ( وجاءته البشرى ) : هو معطوف على " ذهب " .

ويجوز أن يكون حالا من إبراهيم ، و " قد " مرادة .

فأما جواب " لما " ففيه وجهان ; أحدهما : هو محذوف تقديره : أقبل يجادلنا ، ويجادلنا - على هذا - حال . والثاني : أنه يجادلنا ، وهو مستقبل بمعنى الماضي ; أي جادلنا .

ويبعد أن يكون الجواب " جاءته البشرى " ; لأن ذلك يوجب زيادة الواو ، وهو ضعيف .

قال تعالى : ( إن إبراهيم لحليم أواه منيب ( 75 ) ) .

( أواه ) فعال من التأوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية