الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون ( 19 ) ) .

قوله تعالى : ( بشراي ) : يقرأ بياء مفتوحة بعد الألف ، مثل : عصاي ; وإنما فتحت الياء من أجل الألف .

ويقرأ بغير ياء ، وعلى الألف ضمة مقدرة ; لأنه منادى مقصود ; ويجوز أن يكون منصوبا مثل قوله : ( ياحسرة على العباد ) [ يس : 30 ] .

[ ص: 52 ] ويقرأ بشري بياء مشددة من غير ألف ، وقد ذكر في قوله تعالى : ( هدى ) [ البقرة : 2 ] في البقرة ، والمعنى : يا بشارة ، احضري فهذا أوانك .

( أسروه ) : الفاعل ضمير الإخوة . وقيل : السيارة . و " بضاعة " حال .

قال تعالى : ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين ( 20 ) ) .

قوله تعالى : ( بخس ) : مصدر في موضع المفعول ; أي مبخوس ; أو ذي بخس . و ( دراهم ) بدل من ثمن .

و ( وكانوا فيه من الزاهدين ) : قد ذكر مثله في قوله : ( وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) [ البقرة : 130 ] ( ونكون عليها من الشاهدين ) [ المائدة : 113 ] .

قال تعالى : ( وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 21 ) ) .

قوله تعالى : ( من مصر ) : يجوز أن يكون متعلقا بالفعل ; كقولك : اشتريت من بغداد ; أي فيها ، أو بها .

ويجوز أن يكون حالا من " الذي " أو من الضمير في " اشترى " فيتعلق بمحذوف .

( ولنعلمه ) : اللام متعلقة بمحذوف; أي ولنعلمه مكناه . وقد ذكر مثله في قوله تعالى : ( ولتكملوا العدة ) [ البقرة : 185 ] وغيره . والهاء في ( أمره ) : يجوز أن تعود على الله عز وجل ، وأن تعود على يوسف .

قال تعالى : ( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون ( 23 ) ) .

قوله تعالى : ( هيت لك ) : فيه قراءات ; إحداها : فتح الهاء والتاء ، وياء بينهما . والثانية : كذلك ، إلا أنه بكسر التاء . والثالثة : كذلك ، إلا أنه بضمها ; وهي لغات فيها . [ ص: 53 ] والكلمة اسم للفعل ; فمنهم من يقول : هو خبر معناه تهيأت ، وبني كما بني شتان ، ومنهم من يقول : هو اسم للأمر ; أي أقبل وهلم . فمن فتح طلب الخفة ، ومن كسر فعلى التقاء الساكنين ، مثل جير .

ومنهم من ضم ، شبهه بحيث . واللام على هذا للتبيين مثل التي في قولهم : سقيا لك .

والقراءة الرابعة : بكسر الهاء وهمزة ساكنة وضم التاء ; وهو على هذا فعل من هاء يهاء مثل : شاء يشاء ، ويهيء مثل : فاء يفيء . والمعنى : تهيأت لك ، أو خلقت ذا هيئة لك ، واللام متعلقة بالفعل .

والقراءة الخامسة : هيئت لك ، وهي غريبة .

والسادسة : بكسر الهاء وسكون الهمزة وفتح التاء ، والأشبه أن تكون الهمزة بدلا من الياء ، أو تكون لغة في الكلمة التي هي اسم للفعل ; وليست فعلا ; لأن ذلك يوجب أن يكون الخطاب ليوسف عليه السلام ، وهو فاسد لوجهين :

أحدهما : أنه لم يتهيأ لها ، وإنما هي تهيأت له . والثاني : أنه قال " لك " ولو أراد الخطاب لكان " هئت لي " .

( قال معاذ الله ) : هو منصوب على المصدر ; يقال : عذت به عوذا ، وعياذا ، وعياذة ، ومعاذا .

( إنه ) : الهاء ضمير الشأن ، والجملة بعده الخبر .

التالي السابق


الخدمات العلمية