الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6291 [ ص: 190 ] 44 - حدثنا فروة بن أبي المغراء ، حدثنا علي بن مسهر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : هزم المشركون يوم أحد هزيمة تعرف فيهم ، فصرخ إبليس : أي عباد الله أخراكم فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم ، فنظر حذيفة بن اليمان فإذا هو بأبيه فقال : أبي أبي ، قالت : فوالله ما انحجزوا حتى قتلوه ، فقال حذيفة : غفر الله لكم . قال عروة : فوالله ما زالت في حذيفة منها بقية حتى لقي الله .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الذين قتلوا والد حذيفة لجهلهم ، فجعل الجهل هنا كالنسيان ، فبهذا الوجه دخل الحديث في الباب مع أن فيه اليمين وهو قول حذيفة : فوالله ما انحجزوا .

                                                                                                                                                                                  وفروة بفتح الفاء وسكون الراء وبالواو ابن أبي المغراء بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وبالراء وبالمد أبو القاسم الكندي الكوفي ، وعلي بن مسهر على وزن اسم الفاعل من الإسهار بالسين المهملة أبو الحسن القرشي الكوفي تولى قضاء نواحي الموصل ، مات سنة تسع وثمانين ومائة .

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في آخر المناقب في باب ذكر حذيفة بن اليمان وفي غزوة أحد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " هزم " على صيغة المجهول من الماضي وكذلك قوله : " تعرف " على صيغة المجهول .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أي عباد الله " أي : يا عباد الله .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أخراكم " قال الكرماني : أي : يا عباد الله احذروا الذين من ورائكم واقتلوهم ، والخطاب للمسلمين أراد إبليس تثبيطهم ليقاتل المسلمون بعضهم بعضا ، فرجعت الطائفة المتقدمة قاصدين لقتال الأخرى ظانين أنهم من المشركين فتجالد الطائفتان ، ويحتمل أن يكون الخطاب للكافرين .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أبي أبي " وقع مكررا يعني يا قومي هذا أبي لا تقتلوه ، فقتلوه ظانين أنه من المشركين .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ما انحجزوا " بالزاي أي : ما امتنعوا وما انفكوا حتى قتلوه ، يقال : حجزه يحجزه حجزا إذا منعه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " منها " أي : من قتلة أبيه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " بقية " مرفوع بقوله : " ما زالت " .

                                                                                                                                                                                  قال الكرماني : أي : بقية حزن وتحسر من قتل أبيه بذلك الوجه .

                                                                                                                                                                                  قلت : هكذا فسره الكرماني على أن لفظ بقية مرفوعة وهي رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره بقية خير بالإضافة أي : استمر الخير فيه ، وقال بعضهم وهم الكرماني في تفسيره ، والصواب من المراد أنه حصل له خير بقوله للمسلمين الذين قتلوا أباه خطأ بقوله : عفا الله عنكم ، واستمر ذلك الخير فيه .

                                                                                                                                                                                  قلت : نسبة الكرماني إلى الوهم وهم لأن الكرماني إنما فسره على رواية الكشميهني على ما ذكرناه ، والأقرب فيها ما فسره لأنه تحسر غاية التحسر على قتل أبيه على يد المسلمين على ما لا يخفى .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية