الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6132 84 - حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا سفيان ، حدثنا الأعمش ، عن زيد بن وهب ، حدثنا حذيفة ، قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر ; حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ، ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة ، وحدثنا عن رفعها ، قال : ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل أثر الوكت ، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل ، كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء ، فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة ، فيقال : إن في بني فلان رجلا أمينا ، ويقال للرجل ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ، ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت ، لئن كان مسلما رده علي الإسلام ، وإن كان نصرانيا رده على ساعيه ، فأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلانا وفلانا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وسفيان : هو الثوري ، والأعمش : سليمان . والحديث أخرجه أيضا عن علي بن عبد الله ، عن سفيان بن عيينة ، وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر وغيره ، وأخرجه الترمذي في الفتن عن هناد بن السري ، وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد عن وكيع به . قوله : حديثين ، أي : في باب الأمانة ; أحدهما في نزول الأمانة والآخر في رفعها . قوله : " حدثنا " أي : رسول الله صلى الله عليه وسلم . قوله : " في جذر قلوب الرجال " بفتح الجيم وكسرها وسكون الذال المعجمة ، وهو الأصل في كل شيء ، قاله أبو عبيد : وقال ابن الأعرابي : الجذر أصل الحسب والنسب ، وأصل الشجرة . قوله : " ثم علموا " أي : بعد نزولها في قلوب الرجال بالفطرة علموها من القرآن ، قال الله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض الآية ، قال ابن عباس : هي الفرائض التي على العباد . وقيل : هي ما أمروا به ونهوا عنه . وقيل : هي الطاعة ، نقله الواحدي عن أكثر المفسرين . قوله : " ثم علموا من السنة " أي : سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وحاصل المعنى أن الأمانة كانت لهم بحسب الفطرة وحصلت لهم بالكسب أيضا بسبب الشريعة . قوله : " وحدثنا " أي : رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رفعها ، أي : عن رفع الأمانة . قوله : " ينام الرجل " إلى آخره ، بيان رفعها ، وهو أنه ينام نومة فتقبض الأمانة من قلبه ، يعني : تقبض من قوم ثم من قوم ثم شيئا بعد شيء في وقت بعد وقت ، على قدر فساد الدين . قوله : " فيظل أثرها " أي : فيصير أثرها مثل أثر الوكت ، بفتح الواو وسكون الكاف وبالتاء المثناة ، وهو أثر النار ونحوه ، وقال ابن الأثير : الوكتة الأثر في الشيء كالنقطة من غير لونه ، والجمع وكت ، ومنه قيل للبسر إذا وقعت فيه نقطة من الإرطاب وكت ، ومنه حديث حذيفة المذكور ، وقال الجوهري في فصل الواو من باب التاء المثناة من فوق : الوكتة كالنقطة في الشيء ، يقال في عينه وكتة ، وضبطه صاحب التلويح بالثاء المثلثة ، وهو غلط . قوله : " مثل المجل " بفتح الميم وسكون الجيم وفتحها ، هو التنفط الذي يحصل في اليد من العمل بفأس ونحوه ، وهو مصدر مجلت يده تمجل مجلا ، ويقال : هو أن يكون بين الجلد واللحم ماء ، وكذلك المجلة ، وهو من باب علم يعلم ، ومصدره : مجل ، بفتحتين ، ومن باب : نصر ينصر ، ومصدره مجل ، بسكون الجيم ومجول . وقال الأصمعي : هو تفتح يشبه البثر من العمل . قوله : " فنفط " بكسر الفاء ، قال ابن فارس : النفط قرح يخرج في اليد من العمل ، وإنما قال نفط مع أن الضمير فيه يرجع إلى الرجل ، وهو مؤنث ، وذكره باعتبار العضو أو باعتبار لفظ الرجل . قوله : " منتبرا " أي : مرتفعا من الانتبار ، وهو الارتفاع ، ومنه انتبر الأمير صعد على المنبر ، ومنه سمي المنبر منبرا لارتفاعه ، وكل شيء ارتفع فقد نبر ، وقال أبو عبيد : منتبرا ، أي : متنفطا . وحاصله أن القلب يخلو عن الأمانة بأن تزول عنه شيئا فشيئا ، فإذا زال جزء منها [ ص: 85 ] زال نورها وخلفته ظلمة كالوكت ، وإذا زال شيء آخر منه صار كالمجل ، وهو أثر حكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة ، ثم شبه زوال ذلك النور بعد ثبوته في القلب وخروجه منه واعتقابه إياه بجمر تدحرجه على رجلك حتى يؤثر فيها ثم يزول الجمر ويبقى التنفط . قوله : " يتبايعون " أي : من البيع والشراء . قوله : " فلا يكاد أحد " كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره " فلا يكاد أحدهم " . قوله : " أتى علي " بتشديد الياء . قوله : " وما أبالي أيكم بايعت " ، وقال ابن التين : تأوله بعض الناس على بيعة الخلافة ، وهو خطأ ، فكيف يكون ذلك وهو يقول : لئن كان نصرانيا ، إلى آخره ، والذي عليه الجمهور وهو الصحيح أنه أراد به البيع والشراء المعروفين ، يعني : كنت أعلم أن الأمانة في الناس فكنت أقدم على معاملة من أثق غير باحث عن حاله وثوقا بأمانته ، فإنه إن كان مسلما فدينه يمنعه من الخيانة ويحمله على أداء الأمانة ، وإن كان كافرا فساعيه ، وهو الوالي الذي يسعى له ، أي الوالي عليه ، يقوم بالأمانة في ولايته فينصفني ويستخرج حقي منه ، وكل من ولي شيئا على قوم فهو ساعيهم مثل سعاة الزكاة ، وأما اليوم فقد ذهبت الأمانة فلست أثق اليوم بأحد أأتمنه على بيع أو شراء إلا فلانا وفلانا ، يعني أفرادا من الناس قلائل ، أعرفهم وأثق بهم . قوله : " رده علي الإسلام " وفي رواية المستملي " بالإسلام " . قوله : وإن كان نصرانيا ، ذكر النصراني على سبيل التمثيل وإلا فاليهودي أيضا ، كذلك صرح في صحيح مسلم بهما .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية