الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6348 6 - حدثنا إسماعيل ، قال : حدثني مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يقتسم ورثتي دينارا ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وإسماعيل هو ابن أبي أويس ، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان ، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز .

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في الخمس والوصايا عن عبد الله بن يوسف عن مالك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لا يقتسم " ، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني : لا يقسم بحذف التاء الفوقية وهو برفع الميم على أن لا للنفي ، وقال ابن التين : كذلك قرأته وكذلك في الموطأ ، وروي : لا يقسم بالجزم كأنه نهاهم إن خلف شيئا أن لا يقسم بعده ، فإن قلت : يعارضه ما تقدم في الوصايا من حديث عمرو بن الحارث الخزاعي : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ، قلت : نهاهم هنا عن القسمة على غير قطع بأنه لا يخلف دينارا ولا درهما لأنه يجوز أن يملك ذلك قبل موته ولكنه نهاهم عن قسمته .

                                                                                                                                                                                  وفي حديث الخزاعي : المعنى ما ترك دينارا ولا درهما لأجل القسمة فيتحد معناهما ، قوله : " لا يقتسم " ورثتي أي لا يقتسمون بالقوة لو كنت ممن يورث أو لا يقتسمون ما تركته لجهة الإرث ; فلذلك أتى بلفظ الورثة وقيدها ليكون اللفظ مشعرا بما به الاشتقاق وهو الإرث ، فظهر أن المنفي الاقتسام [ ص: 235 ] بطريق الإرث عنه ، قوله : " دينارا " التقييد بالدينار من باب التنبيه على ما سواه كما قال الله عز وجل : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره قوله : " بعد نفقة نسائي " يريد أنه تؤخذ نفقة نسائه لأنهن محبوسات عنده محرمات على غيره بنص القرآن .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ومؤنة عاملي " ، قيل : هو القائم على هذه الصدقات والناظر فيها ، وقيل : كل عامل للمسلمين من خليفة وغيره لأنه عامل للنبي صلى الله عليه وسلم ونائب عنه في أمته ، وقيل : خادمه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وقيل : حافر قبره ، وقيل : الأجير .

                                                                                                                                                                                  فإن قيل : كيف اختصت النساء بالنفقة والعامل بالمؤنة وهل بينهما فرق ؟ قيل له بأن المؤنة القيام بالكفاية والإنفاق بذل القوة ، وهذا يقتضي أن النفقة دون المؤنة ، وكان لا بد من النفقة لأزواج النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، فاقتصر على ما يدل عليه والعامل في صورة الأجير فيحتاج إلى ما يكفيه فاقتصر على ما يدل عليه ، قوله : " فهو صدقة " يعني لا تحل لآله .

                                                                                                                                                                                  ومما يستفاد من الحديث جواز الوقف وأن يجري بعد الوفاة كالحياة فلا يباع ولا يملك كما حكم الشارع فيما أفاء الله عليه بأنه لا يورث ولكن يصرف لما ذكره والباقي لمصالح المسلمين ، وهاهنا أساء الأدب صاحب التوضيح حيث قال : وبين - أي الحديث المذكور - فساد قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  قلت : الفساد قول من لا يدرك الأمور ، فأبو حنيفة لم ينفرد ببطلان الوقف ولا قاله برأيه ، وهذا شريح قال : جاء محمد ببيع الحبس ولأن الملك فيه باق ولأنه يتصدق بالغلة أو بالمنفعة المعدومة ، وهو غير جائز إلا في الوصية .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية