الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              425 - وحدث أحمد بن يحيى الصوفي ، قال : نا إبراهيم بن منصور التوزي ، وكان من عقلاء الرجال ، قال : دخلت دار الحسن بن حماد الصيرفي ، وفيها محمد بن داود الجعفري وحوله قوم وهو يتكلم في [ ص: 150 ] القرآن ، فخفت أن يعلق بقلوبهم شيء من كلامه ، قال : فقلت له : " يكون مخلوق بلا قول ؟ " ، قال : لا ، قال : قلت له : فأخبرني عن القول الذي خلق به الخلق مخلوق ؟ قال : فقال : " ما أرى الذي تكلم في هذا إلا شيطانا " .

              قال الشيخ : فاعلموا رحمكم الله أن رؤساء الكفر والضلال من الجهمية الملحدة ألقت إليهم الشياطين من إخوانهم الخصومة بالمتشابه من القرآن ، فزاغت به قلوبهم ، فضلوا وأضلوا ، فقل للجهمي الضال : هذا كتاب الله عز وجل ، سماه الله في كتابه قرآنا وفرقانا ونورا وهدى ووحيا وتبيانا وذكرا وكتابا وكلاما وأمرا وتنزيلا ، وفي كل ذلك يعلمنا أنه كلامه منه ومتصل به قال الله تعالى : حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم .

              وقال : حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم فلك في أسمائه التي سماه الله بها كفاية ، فقد جهلت وغلوت في دين الله غير الحق ، وافتريت على الله الكذب والبهتان حين زعمت أن القرآن مخلوق ، وزعمت أن ذلك هو التوحيد ، وأنه دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره ، وأن من لم يقل بمقالتك ويتبعك على إلحادك وضلالتك فليس بموحد ، [ ص: 151 ] تكفره وتستحل دمه ، فكل ما قلته وابتدعته أيها الجهمي ، فقد أكذبك الله عز وجل فيه ، ورده عليك هو ورسوله والمسلمون جميعا من عباد غيرة ، وإنما التمسنا دعواك هذه في كتاب الله ، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وفي إجماع المسلمين وصالحي المؤمنين ، فلم نجد في ذلك شيئا مما ادعيته .

              قال الله عز وجل : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ، ولم يقل : وأن تقولوا : القرآن مخلوق .

              وقال الله تعالى : ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ، ولم يقل : وأن تقولوا : القرآن مخلوق . وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم . . . إلى قوله : وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل ، ولم يقل : وأن تقولوا : القرآن مخلوق .

              وقال : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه [ ص: 152 ] وقال : فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله .

              وقال تعالى : الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا إلا الله وقال عز وجل : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة .

              وقال : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وقال : ما فرطنا في الكتاب من شيء وقال : وكل شيء أحصيناه في إمام مبين .

              وقال : وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون فمثل هذا وشبهه في القرآن كثير ، قد قرأناه وفهمناه ، فلم نجد لبدعتك هذه فيه ذكرا ولا أثرا ، ولا دعا الله عباده ولا أمرهم بشيء مما زعمت أنه توحيده ودينه [ ص: 153 ] .

              أفتزعم أن الله عز وجل أغفل هذا أم نسيه حتى ذكرته أنت وأنبهته عليه ؟ فقد أكذبك الله عز وجل فقال : وما كان ربك نسيا ، وقال : ما فرطنا في الكتاب من شيء .

              أم عساك تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان في دينه ، وكتم ما أمره بتبليغه ؟ فإن في جرأتك على الله وعلى رسوله ما قد قلت ما هو أعظم من هذا وكل ذلك فقد أكذبك الله فيه .

              فقال تعالى : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر . . . إلى قوله : النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون .

              وقال : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين .

              وقال : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون .

              وقال : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت [ ص: 154 ] رسالته .

              وقال : وما على الرسول إلا البلاغ المبين .

              وقال : فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين .

              وقالت عائشة : " من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا مما أنزله الله عليه ، فقد أعظم الفرية على الله ، يقول الله : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك الآية .

              ثم التمسنا هذه الضلالة التي اخترعتها وزعمت أنها الشريعة الواجبة والدين القيم والتوحيد اللازم الذي لا يقبل الله من العباد غيره بأن يقولوا : القرآن مخلوق في سنة المصطفى ، وما دعا إليه أمته وقاتل من خالفه عليه ، فما وجدنا لذلك أثرا ولا إمارة ولا دلالة .

              قال النبي صلى الله عليه وسلم : " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان فزعمت أيها الجهمي أنها ست بضلالتك هذه [ ص: 155 ] .

              وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك ، حرمت علي دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والتارك لدينه ، والنفس بالنفس " وقال لوفد عبد القيس حين قدموا عليه ، فأمرهم بالإيمان بالله ، وقال : " أتدرون ما الإيمان بالله ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وأن تعطوا الخمس من المغنم " .

              وقال الله تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا [ ص: 156 ] .

              فهذا كتاب الله يكذبك أيها الجهمي ، وسنة نبيه وإجماع المؤمنين وسبيلهم تخالفك ، وتدل على ضلالتك ، وعلى إبطال ما ادعيته من أن قولك : القرآن مخلوق ، هو التوحيد والدين ، الذي شرعه الله لعباده ، وبعث به رسوله .

              فقد بطل الآن ما ادعيته من قولك : إن التوحيد هو أن يقال : القرآن مخلوق ، وبان كذبك وبهتانك للعقلاء .

              فأخبرنا الله عز وجل عن خلق ما خلق من الأشياء ، فإنا نحن قد أوجدناك في آيات كثيرة من كتابه ، وأخبار صحيحة عن رسول الله أن القرآن كلام الله ومنه ، وفيه صفاته وأسماؤه ، وأنه علم من علمه ، وأنه ليس بجائز أن يكون شيء من الله ولا من صفاته ، ولا من أسمائه ، ولا من علمه ، ولا من قدرته ، ولا من عظمته ، ولا من عزته مخلوقة .

              ورأيناك أيها الجهمي تزعم أنك تنفي التشبيه عن الله بقولك : إن القرآن مخلوق ، ورأيناك شبهت الله عز وجل بأضعف ضعيف من خلقه .

              فإن كلام العباد مخلوق ، وأسماءهم مخلوقة ، وعلم الناس مخلوق ، وقدرتهم وعزتهم مخلوقة ، فأنت بالتشبيه أحق وأخلق ، وأنت فليس تجد ما قلته من أن القرآن مخلوق في كتاب الله ، ولا في سنة نبيه ، ولا مأثورا عن صحابته ، ولا عن أحد من أئمة المسلمين .

              فحينئذ لجأ الجهمي إلى آيات من المتشابه جهل علمها ، فقال : قلت : [ ص: 157 ] ذلك من قول الله عز وجل : إنا جعلناه قرآنا عربيا ، وقوله : ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ، وزعم أن كل مجعول مخلوق ، فنزع بآية من المتشابه يحتج بها من يريد أن يلحد في تنزيلها ، ويبتغي الفتنة في تأويلها .

              فقلنا : إن الله عز وجل قد منعك أيها الجهمي الفهم في القرآن حين جعلت كل مجعول مخلوقا ، وأن كل جعل في كتاب الله هو بمعنى خلق ، فمن هاهنا بليت بهذه الضلالة القبيحة ، حين تأولت كتاب الله بجهلك وهوى نفسك وما زينه لك شيطانك ، وألقاه على لسانك إخوانك ، وذلك أنا نجد الحرف الواحد في كتاب الله عز وجل على لفظ واحد ومعانيه مختلفة في آيات كثيرة ، تركنا ذكرها لكثرتها وقصدنا لذكر الآية التي احتججت بها .

              ف : ( جعل ) في كتاب الله عز وجل على غير معنى ( خلق ) ، فجعل من المخلوقين ، على معنى وصف من أوصافهم ، وقسم من أقسامهم ، و (جعل) أيضا على معنى فعل من أفعالهم لا يكون خلقا ولا يقوم مقام الخلق ، فتفهموا الآن ذلك واعقلوه .

              قال الله عز وجل : الذين جعلوا القرآن عضين ، وإنما جعل هاهنا بمعنى : وصفوه بغير وصفه ، ونسبوه إلى غير معناه حين عضوه وميزوه فقالوا : [ ص: 158 ] إنه شعر ، وإنه سحر ، وإنه قول البشر ، وإنه أساطير الأولين .

              وقال في مثل ذلك : وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم .

              وقال : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا .

              وقال : ويجعلون لله ما يكرهون .

              وقال : ويجعلون لله البنات سبحانه .

              وقال : ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم لا يعني ذلك ولا تخلقوا .

              وقال : وتجعلون له أندادا .

              وقال : ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا .

              وقال : وجعلوا لله شركاء قل سموهم [ ص: 159 ] .

              فهذا كله (جعل) لا يجوز أن يكون على معنى : (خلق) ، و (جعل) من بني آدم على فعل .

              قال الله تعالى : يجعلون أصابعهم في آذانهم لا يجوز أن يكون : يخلقون أصابعهم في آذانهم .

              وقال : حتى إذا جعله نارا ، لا يجوز أن يكون : خلقه نارا .

              وقال : فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم ، أفيجوز أن يكون خلقهم جذاذا ؟

              و (جعل) في معنى (خلق) في معنى ما كان من الخلق موجودا محسوسا ، فقال : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون .

              فجعل هاهنا في معنى خلق لا ينصرف إلى غيره ، وذلك أن الظلمات والنور يراهما الناس ، وكذلك قوله : وجعل لكم السمع والأبصار وهما موجودان في بني آدم .

              وقال : وجعلنا الليل والنهار آيتين ، يعني : خلقتا ، وهما موجودان [ ص: 160 ] معروفان بإقبالهما وإدبارهما ، فهل يعرف القرآن بإقبال وإدبار ؟ !

              وقال : وجعل الشمس سراجا معناه خلق ، والشمس نور وحر وهي ترى ، فهل يمكن ذلك في القرآن ؟

              وقال : وجعلت له مالا ممدودا ، يعني : خلقت ، والمال موجود يوزن ويعد ويحصى ويعرف ، فهل يوزن القرآن ؟

              وقال : والله جعل لكم الأرض بساطا وهي موجودة ، يمشى عليها وتحرث ، فهل يمكن مثل ذلك في القرآن ؟

              فهذا كله على لفظ (جعل) ومعناه معنى الخلق ، وقد ذكر معنى الجعل منه في مواضع كثيرة على غير معنى الخلق ، من ذلك قوله : ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام لا يعني : ما خلق [ ص: 161 ] الله من بحيرة ، لأنه هو خلق البحيرة والسائبة والوصيلة ، ولكنه أراد أنه لم يأمر الناس باتخاذ البحيرة والسائبة والوصيلة والحام .

              فهذا لفظ (جعل) على غير معنى (خلق) ، وقال تعالى لإبراهيم خليله عليه السلام : إني جاعلك للناس إماما لا يعني : خالقك ، لأن خلقه قد سبق إمامته .

              وقال لأم موسى : إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين لا يعني وخالقوه ، لأنه قد كان مخلوقا ، وإنما جعله مرسلا بعد خلقه .

              وقال إبراهيم : رب اجعل هذا البلد آمنا لا يعني : رب اخلق هذا البلد ، لأن البلد قد كان مخلوقا ، ألا تراه يقول : هذا البلد ؟

              وقال : فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين ، لا يريد : حتى خلقناهم حصيدا .

              وقال إبراهيم : رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي لا يعني : رب اخلقني .

              وقال إبراهيم وإسماعيل : ربنا واجعلنا مسلمين لك ، ولم يريدا : واخلقنا مسلمين لك لأن خلقهما قد تقدم قبل قولهما ، فهذا ونحوه في القرآن [ ص: 162 ] كثير ، مما لفظه (جعل) على غير معنى (خلق) .

              وكذلك قوله : إنا جعلناه قرآنا عربيا إنما جعله عربيا ليفهم ويبين للذين نزل عليهم من العرب ، ألم تسمع إلى قوله : فإنما يسرناه بلسانك ؟

              وقال في موضع آخر : ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ، يقول : أعربي محمد وعجمي كلامه بالقرآن ؟ فجعل الله القرآن بلسان عربي مبين .

              كذلك ألم تسمع قوله : وهذا لسان عربي مبين ؟

              وقال : قرآنا عربيا لقوم يعلمون .

              وقال : إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون .

              وأما قوله : ولكن جعلناه ، فإنما يعني : أنزلناه نورا ، تصديق ذلك في الآية الأخرى قوله : فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا .

              وقال : يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا [ ص: 163 ] مبينا .

              وقال : واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون .

              وقال تعالى : قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس .

              فقد بين لمن عقل وشرح الله صدره للإيمان أن (جعل) في كتاب الله على غير معنى (خلق) ، و (جعل) أيضا بمعنى (خلق) ، وأن قوله : إنا جعلناه قرآنا عربيا هو على غير معنى (خلق) .

              فبأي حجة وفي أي لغة زعم الجهمي أن كل (جعل) على معنى (خلق) ؟

              ألم يسمع إلى قوله : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ؟

              أفترى الجهمي يظن أن قوله : ونجعلهم أئمة إنما يريد : أن نخلقهم أئمة ؟ أفتراه يخلقهم خلقا آخر بعد خلقهم الأول ؟ فهل يكون معنى (الجعل) هاهنا معنى (الخلق) ؟

              قال عز وجل : ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا لا يعني : [ ص: 164 ] ثم خلقنا له جهنم ، لأن جهنم قد تقدم خلقها ، ولم يرد أنها تخلق حين يفعل العبد ذلك ، ولكنه إذا فعل العبد ذلك جعلت داره ومسكنه بعد ما تقدم خلقها . وقال تعالى : ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم .

              وقال : أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات .

              وقال : أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار .

              وقال : إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه ، - يعني : بني إسرائيل - أفيظن الجهمي الملحد أنما أراد : إنما خلق السبت على بني إسرائيل ؟ فقد علم العقلاء أن السبت مخلوق في مبتدأ الخلق قبل كون بني إسرائيل ، وقبل نوح ، وقبل إبراهيم ، ولكن معناه : إنما جعل على هؤلاء أن يسبتوا السبت خاصة ، فهذا على غير معنى (خلق) .

              وهذا كثير في القرآن ، ولكن الجهمي من الصم البكم الذين لا يعقلون من الذين : يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ، ألم تسمع إلى قوله : ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به [ ص: 165 ] مؤمنين ، فإنما جعل الله القرآن بلسان عربي مبين ، وأنزله عربيا لتفقه العرب ، ولتتخذ بذلك عليهم الحجة ، فذلك معنى قوله : إنا جعلناه قرآنا عربيا ولم يرد عربيا في أصله ولا نسبه ، وإنما أراد عربيا في قراءته .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية