الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              433 - قال حنبل : وقال أبو عبد الله : " واحتججت عليهم فقلت : زعمتم أن الأخبار تردونها باختلاف أسانيدها ، وما يدخلها من الوهم والضعف ، فهذا القرآن نحن وأنتم مجمعون عليه وليس بين أهل القبلة فيه خلاف ، وهو الإجماع .

              قال الله عز وجل في كتابه تصديقا منه لقول إبراهيم غير دافع لمقالته ولا لما حكى عنه فقال : إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ، فذم إبراهيم أباه أن عبد ما لا يسمع ولا يبصر ، فهذا منكر عندكم " . فقالوا : شبه شبه يا أمير المؤمنين [ ص: 255 ] .

              فقلت : " أليس هذا القرآن ؟ هذا منكر عندكم مدفوع ، وهذه قصة موسى ، قال الله عز وجل لموسى في كتابه حكاية عن نفسه : وكلم الله موسى ، فأثبت الله الكلام لموسى كرامة منه لموسى ، ثم قال : يا موسى : إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ، فتنكرون هذا ، فيجوز أن يكون هذا الياء راجعة ترد على غير الله ، أو يكون مخلوق يدعي الربوبية ؟ وهل يجوز أن يقول هذا غير الله ؟ وقال له : يا موسى لا تخف ، : إني أنا ربك فاخلع نعليك فهذا كتاب الله يا أمير المؤمنين ، فيجوز أن يقول لموسى : أنا ربك مخلوق ، وموسى كان يعبد مخلوقا ، ومضى إلى فرعون برسالة مخلوق يا أمير المؤمنين ؟ قال : فأمسكوا ، وأداروا بينهم كلاما لم أفهمه . قال أبو عبد الله : " والقوم يدفعون هذا وينكرونه ، ما رأيت أحدا طلب الكلام واشتهاه إلا أخرجه إلى أمر عظيم ، لقد تكلموا بكلام ، واحتجوا بشيء ما يقوى قلبي ولا ينطق لساني أن أحكيه ، والقوم يرجعون إلى التعطيل في أقاويلهم ، وينكرون الرؤية والآثار كلها ، ما ظننت أنه هكذا حتى سمعت مقالاتهم " قال أبو عبد الله : " قيل لي يومئذ : كان الله ولا قرآن . فقلت له : كان الله [ ص: 256 ] ولا علم ؟ فأمسك ، ولو زعم غير ذلك أن الله كان ولا علم ، لكفر بالله .

              قال أبو عبد الله : " وقلت له - يعني : لابن الحجام - : يا ويلك ، لا يعلم حتى يكون فعلمه وعلمك واحد ، كفرت بالله عالم السر وأخفى ، عالم الغيب والشهادة ، علام الغيوب ، ويلك ، يكون علمه مثل علمك ، تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .

              قال أبو عبد الله : " فهذه أليست مقالته ؟ " قال أبو عبد الله : " وهذا هو الكفر بالله ، ما ظننت أن القوم هكذا . لقد جعل برغوث يقول يومئذ : الجسم وكذا وكلام لا أفهمه ، فقلت : لا أعرف ولا أدري ما هذا ، إلا أنني أعلم أنه أحد صمد ، لا شبه له ولا عدل ، وهو كما وصف نفسه ، فيسكت عني ، قال : فقال لي شعيب : قال الله : إنا جعلناه قرآنا عربيا ، أفليس كل مجعول مخلوقا ؟ قلت : " فقد قال الله : فجعلهم جذاذا أفخلقهم ؟ : فجعلهم [ ص: 257 ] كعصف مأكول ، أفخلقهم ؟ أفكل مجعول مخلوق ؟ كيف يكون مخلوقا وقد كان قبل أن يخلق الجعل ، قال : فأمسك .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية