الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وهؤلاء ينكرون أن يتنعم في الدنيا بعبادته وفي الآخرة بالنظر إليه، بل قد ينكرون أن يتنعم بذكره ورحمته، اللهم إلا من جهة لذة جنس العلم الذي لا يمكن أن ينكرها من وجدها.

وقد وافقهم على إنكار حقيقة المحبة لله وتوابعها طوائف من أصحاب الأئمة الأربعة. وأول من أنكر حقيقة المحبة لله الجعد بن درهم، الذي ضحى به خالد بن عبد الله القسري بواسط في خطبة يوم الأضحى، وقال: "أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما". ثم نزل من المنبر فذبحه .

فإنكار حقيقة الخلة هو إنكار حقيقة المحبة. وهؤلاء ينكرون أن [ ص: 138 ] يحب وأن يحب، ويتأولون ما ورد في ذلك على أنه يحب طاعته وعبادته، وهو يريد الإحسان إلى عبده.

وأما من وافقهم وأثبت الرؤية، فقد ينكر- إن صحت الرؤية- التمتع بها، كما ذكر ذلك أبو المعالي في "الرسالة النظامية"، وذكر أنه من أسرار التوحيد، وزعم أن المحدث لا يتمتع بالقديم، ولكن يخلق الله مع الرؤية لذة بشيء آخر.

وكذلك قال ابن عقيل لرجل سمعه يقول: اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك، فقال: ويحك! هب أن له وجها، أتتلذذ بالنظر إليه؟

ومعلوم أن الدعاء النبوي قد ورد بهذا اللفظ في حديث عمار بن ياسر، وكذلك غيره- فيما أظن- والحديث في المسند والنسائي وغيرهما ، وفيه: "اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيما ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين ". [ ص: 139 ]

وأما المتفلسفة فالذي يعترفون به هو لذة العلم أيضا فقط، إذ رؤيته عندهم بالعين ممتنعة، وكل من تكلم في لذة النظر والمشاهدة والتجلي ونحو ذلك من متصوفة المتفلسفة، فكلامه يعود إلى ذلك، وهو دونه، فإنه لا يثبت قدرا زائدا على ما أثبته المعتزلة، بل لا يكاد يصل إليهم، ولكن يموهون بالتعبير على المعاني الفلسفية بالعبارات الإسلامية، وإلا فهم في الرؤية والمشاهدة لا يجاوزون قول المعتزلة حيث يفسرونها بنوع من العلم. وفي كلام أبي حامد وأمثاله من ذلك أصناف، والفارابي.

التالي السابق


الخدمات العلمية