الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
(ثم قال) : فأما إذا كان شيئا معروفا بالعادة، كمنافع الأعيان في الإجارة، مثل منفعة الأرض والدابة، ومثل لبن الظئر المعتاد، ولبن البهائم المعتاد، ومثل الثمر والزرع المعتاد- فهذا كله من باب واحد، وهو جائز. ثم إن حصل على الوجه المعتاد، وإلا حط عن المستأجر بقدر ما فات من المنفعة المقصودة. وهو مثل وضع الجائحة في البيع، ومثل ما إذا تلف بعض المبيع قبل التمكن من القبض في سائر البيوع.

وهذا الذي ذكرناه من ضمان البساتين هو فيما إذا ضمنه على أن يعمل الضامن حتى يحصل الثمر والزرع، فأما إذا كان الخدمة والعمل على البائع فهذا بيع، كما يباع العنب بعد بدو صلاحه، وكما يضمن البستان زمن الصيف لمن يسكنه ويأكل فاكهته، وإذا كان بيعا محضا لم يجز إلا بعد بدو صلاحه، لكن إذا بدا صلاح بعض الشجر جاز بيع جميعها بلا نزاع، وكذلك يجوز بيع سائر ذلك النوع في ذلك البستان في سائر البساتين في أشهر قولي العلماء. [ ص: 422 ]

وإذا كان البستان أجناسا، كالعنب والرطب والتفاح والمشمش والتوت، فبدا الصلاح في جنس من ذلك، جاز بيع جميع ما في البستان من ذلك في أحد قوليهم أيضا، لأن الشرط في المبيع أن يبدو صلاح بعضه لا صلاح كل جزء منه، إذا كان مما يباع جملة في العادة.

ومعلوم أنه إذا كان فيه نخيل وأعناب كان بيع بعض النخيل دون بعض فيه مشقة، فجوز بيع الجميع. وهكذا إذا كان عنبا ورمانا وجوزا ونحو ذلك فبيع بعض هذه الأجناس دون بعض فيه مشقة، كما في بيع بعض النخيل دون بعض فإن المشتري إن لم يشتر الجميع لم يرض بشراء البعض، إذ لا يمكن أن يدخل عليه غيره في البستان من المشتري، ففي بيع بعض البستان دون بعض ضرر على البائع والمشتري، ولا فساد في بيع الجميع.

بل إن قيل: قد تصيبه جائحة فلا يثمر الباقي، قيل: هذا بمنزلة الجائحة فيما بدا صلاحه، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بوضع الجائحة .

والشارع بعث بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فنهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها لما فيه من المخاطرة من غير حاجة، وأما بعد بدو صلاحها فهم محتاجون إلى بيعها في هذه الحال وإن كان فيه نوع مخاطرة، لأن المنع من ذلك أشد ضررا على الناس من المخاطرة، كما في الإجارة، لأن المنع منها أشد ضررا من إباحتها مع المخاطرة، ثم إنه جبر هذا الضرر بوضع الجوائح، فما تلف [ ص: 423 ] قبل التمكن من قبضه كان من مال البائع كالمؤجر، وأما إذا تمكن من الجداد والحصاد ففرط حتى تلفت العين، أو أخر ذلك لطلب ارتفاع السعر فإن الضمان هنا يكون من ماله. والله سبحانه أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية