الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
ذكر أقوال جماعة من أتباع الأئمة الأربعة ممن يقتدى بأقوالهم سوى من تقدم

( قول أبي بكر محمد بن موهب المالكي ) شارح رسالة ابن أبي زيد رحمة الله عليهما ، قد تقدم ذكره عند ذكر أصحاب مالك رحمه الله وحكينا بعض كلامه في شرحه ونحن نسوقه بعبارته قال : وأما قوله إنه فوق عرشه المجيد بذاته فإن معنى فوق وعلا عند جميع العرب [ ص: 188 ] واحد وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم تصديق ذلك ، ثم ساق الآيات في إثبات العلو ، وحديث الجارية ، إلى أن قال : وقد تأتي ( في ) في لغة العرب بمعنى فوق ؛ وعلى ذلك قوله تعالى : ( فامشوا في مناكبها ) يريد فوقها وعليها ، وكذلك قوله تعالى ( ولأصلبنكم في جذوع النخل ) يريد عليها ، وقال تعالى : ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) الآيات ، قال ( أهل ) التأويل العالمون بلغة العرب يريد فوقها وهو قول مالك مما فهم عن جماعة ممن أدرك من التابعين مما فهموه عن الصحابة رضي الله عنهم مما فهموه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( أن الله ) في السماء بمعنى : فوقها وعليها ، فلذلك قال الشيخ أبو محمد إنه فوق عرشه المجيد بذاته ، ثم إنه بين أن علوه على عرشه إنما هو بذاته ; لأنه بائن عن جميع خلقه بلا كيف وهو في كل مكان من الأمكنة المخلوقة بعلمه لا بذاته ; إذ لا تحويه الأماكن ; لأنه أعظم منها وقد كان ولا مكان ولم يحل بصفاته عما كان ; إذ لا تجري عليه الأحوال لكن علوه في استوائه على عرشه هو عندنا بخلاف ما كان قبل أن يستوي على العرش ; لأنه قال : ( ثم استوى على العرش ) وثم أبدا لا تكون إلا لاستئناف فعل يكون بينه وبين ما قبله فسحة ، إلى أن قال : وقوله : ( على العرش استوى ) فإنما معناه عند أهل السنة على غير الاستيلاء والقهر والغلبة والملك الذي ظنت المعتزلة ومن قال بقولهم إنه [ ص: 189 ] بمعنى الاستيلاء ، وبعضهم يقول : إنه على المجاز دون الحقيقة ، قال : ويبين سوء تأويلهم في استوائه على عرشه على غير ما تأولوه من الاستيلاء وغيره ما قد علمه أهل المعقول أنه لم يزل مستوليا على جميع مخلوقاته بعد اختراعه لها ، وكان العرش وغيره في ذلك سواء ، فلا معنى لتأويلهم بإفراد العرش بالاستواء الذي هو في تأويلهم الفاسد استيلاء وملك وقهر وغلبة ، قال : وكذلك بين أيضا أنه على الحقيقة بقوله عز وجل : ( ومن أصدق من الله قيلا ) فلما رأى المنصفون إفراد ذكره بالاستواء على عرشه بعد خلق سماواته وأرضه وتخصيصه بصفة الاستواء علموا أن الاستواء هنا غير الاستيلاء ونحوه فأقروا بصفة الاستواء على عرشه وأنه على الحقيقة لا على المجاز ; لأنه الصادق في قيله ، ووقفوا عن تكييف ذلك وتمثيله ; إذ ليس كمثله شيء من الأشياء ، وقد تقدم قول القاضي عبد الوهاب إمام المالكية بالعراق أن الاستواء استواء الذات على العرش ، وأنه قول أبي الطيب الأشعري حكاه عنه عبد الوهاب نصا وأنه قول أبي الحسن الأشعري نفسه صرح به في بعض كتبه وأنه قول الخطابي وغيره من [ ص: 190 ] الفقهاء والمحدثين ، ذكر ذلك كله الإمام أبو بكر الحضرمي في رسالته التي سماها بالإيماء إلى مسألة الاستواء فمن أراد الوقوف عليها فليقرأها ، وقد تقدم قول أبي عمر بن عبد البر ، ( وعلماء الصحابة ، والتابعين الذين حمل عنهم التأويل ، قالوا في تأويل قوله تعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) : أنه على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله ) ، وأهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة ، وأما أهل البدع من الجهمية ، والمعتزلة كلها ، والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة ويزعمون أن من أقر بها مشبه ، وهم عند من أقر بها نافون للمعبود ، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهم أئمة الجماعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية