الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ ص: 282 ] [ أقوال أئمة الكلام من أهل الإثبات المخالفين للجهمية والمعتزلة والمعطلة ]

( قول الإمام أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب ) إمام الطائفة الكلابية كان من أعظم أهل الإثبات للصفات والفوقية وعلو الله على عرشه منكرا لقول الجهمية ، وهو أول من عرف عنه إنكار قيام الأفعال الاختيارية بذات الرب تعالى ، وأن القرآن معنى قائم بالذات وهو أربع معان : ونصر طريقته أبو العباس القلانسي ، وأبو الحسن الأشعري . وخالفه في بعض الأشياء ولكنه على طريقته في إثبات الصفات والفوقية وعلو الله على عرشه كما سيأتي حكاية كلامه بألفاظه ، قال ابن كلاب في بعض كتبه : وأخرج من الأثر والنظر ( قول ) من قال : إن الله سبحانه لا داخل العالم ولا خارجه حكاه عنه شيخ الإسلام في عامة كتبه الكلامية وحكى عنه أبو الحسن الأشعري أنه كان يقول : إن الله مستو على عرشه - كما قال - وأنه فوق كل شيء هذا لفظ حكاية الأشعري عنه ، وحكى عنه أبو بكر بن فورك فيما جمعه من مقالاته في كتاب المجرد ، وأخرج من النظر والخبر قول من قال لا ( هو ) في العالم ولا خارج منه فنفاه نفيا مستويا ; لأنه لو قيل له صفه بالعدم ما قدر أن يقول أكثر من هذا ، ورد أخبار الله نصا وقال في ذلك ما لا يجوز في نص ولا معقول ، وزعم أن هذا هو التوحيد الخالص ، والنفي [ ص: 283 ] الخالص عندهم هو الإثبات الخالص ، وهم عند أنفسهم قياسون ، قال : وإن قالوا هذا إفصاح منكم بخلو الأماكن منه وانفراد العرش به قيل : إن كنتم تعنون خلو الأماكن من تدبيره وأنه غير عالم بهما فلا ، وإن كنتم تريدون خلوها من استوائه عليها كما استوى على العرش فنحن لا نحتشم أن نقول : استوى الله على العرش ونحتشم أن نقول : استوى على الأرض ، واستوى على الجدار ، وفي صدر البيت . قال ابن كلاب : يقال لهم ( أيضا ) هو فوق ما خلق ؟ فإن قالوا : نعم قيل لهم : ما تعنون بقولكم : إنه فوق ما خلق ؟ فإن قالوا بالقدرة والعزة قيل ( لهم ) : ليس هذا سؤالنا ، وإن قالوا المسألة خطأ قيل لهم : فليس هو فوق ، فإن قالوا : نعم ، ليس هو فوق قيل لهم : وليس هو تحت ، فإن قالوا : ( لا فوق ) ولا تحت ، أعدموه ; لأن ما كان لا تحت ولا فوق عدم وإن قالوا : هو تحت وهو فوق ، قيل لهم : فيلزم أن يكون تحت وفوق ، ثم بسط الكلام في استحالة نفي المباينة والمماسة عنه بالعقل وأن ذلك يلحقه بالعدم المحض . ثم قال : ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وهو صفوة الله من خلقه - وخيرته من بريته وأعلمهم ( جميعا به يجيز السؤال ) بالأين واستصوب قول القائل إنه في السماء وشهد له بالإيمان عند ذلك ، وجهم بن صفوان وأصحابه لا يجيزون الأين بزعمهم ويحيلون القول به قال : لو كان خطأ لكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق بالإنكار له وكان [ ص: 284 ] ينبغي أن يقول لها لا تقولي ذلك ، فتوهمي أنه محدود وأنه في مكان دون مكان ، ولكن قولي : إنه في كل مكان ; لأنه هو الصواب دون ما قلت ، كلا فلقد أجازه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع علمه بما فيه وأنه من الإيمان بل الأمر الذي يجب به الإيمان لقائله ومن أجله شهد لها بالإيمان حين قالته . وكيف يكون الحق في خلاف ذلك والكتاب ناطق بذلك وشاهد له ؟ ( قال ) ولو لم يشهد لصحة مذهب الجماعة في هذا خاصة إلا ما ذكرناه من هذه الأمور لكان فيه ما يكفي كيف ( وقد ) غرس في بنية الفطرة ومعارف الآدميين من ذلك ما لا شيء أبين منه ولا أوكد ؟ لأنك لا تسأل أحدا من الناس عنه عربيا ولا عجميا ولا مؤمنا ولا كافرا فتقول أين ربك ؟ إلا قال : في السماء ( إن ) أفصح ، أو أومأ بيده أو أشار بطرفه إن كان لا يفصح ولا يشير إلى غير ذلك من أرض ولا سهل ولا جبل ، ولا رأينا أحدا إذا عن له دعاء إلا رافعا يديه إلى السماء ولا وجدنا أحدا غير الجهمية يسأل عن ربه فيقول : في كل مكان كما يقولون وهم يدعون أنهم أفضل الناس كلهم فتاهت العقول وسقطت الأخبار واهتدى جهم وخمسون رجلا معهم نعوذ بالله من مضلات الفتن . هذا آخر كلامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية