الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          المطلب الأول: موازين البحث العقلي

          وضعت المرجعية الإسلامية موازين وشروطا ينبغي مراعاتها في البحث العلمي، حتى يتم اكتساب العلوم وتنميتها ونشرها على أساس سليم مفيد للإنسان في دينه ودنياه. ومن أهم هـذه الموازين:

          أولا: التحرر من الأهواء والميول الشخصية، وعدم التعصب للآراء. فعن أبي هـريرة رضي الله عنه ، ( عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ) [1] . ( وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه ، قال:... سمعت [ ص: 114 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المجاهد من جاهد نفسه ) [2] .. ويكون هـذا بالتحكم في أهواء النفس وضبط ميولها، وعدم الانسياق وراء تعصبها الفكري لبعض الاتجاهات والمذاهب والعادات.

          ثانيا: التبين والتثبت والتروي في معرفة الحقائق العلمية وفهم أسبابها واستخراج قوانينها بشتى الوسائل، من ملاحظة ومشاهدة وتجربة قبل تقرير نتائجها. ( يقول النبي صلى الله عليه وسلم : التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة ) [3] . ( ويقول: إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ) [4] .

          ثالثا: عدم الاقتصار على فهم ظواهر الأشياء وأعراضها، بل العناية التامة بفهم جوهرها وحقائقها، حتى يحقق البحث العقلي والعلمي أهدافه الصحيحة. ( يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ) [5] [6] . [ ص: 115 ]

          رابعا: ربط البحث العقلي بالوسائل التجريبية، من ملاحظة ومشاهدة واختبار وربط التفكير والتأمل والنظر بالحواس المختلفة، في الدراسات العلمية والتطبيقية، التي تستهدف فهم ظواهر الكون وأسبابها ومسبباتها وقوانينها، وذلك بغية تطوير الحياة البشرية.. فالعلم العقلي والعلم التجريبي، في الحديث النبوي، مرتبطان ومتكاملان ومسخران لخدمة الإنسان وبناء حياته الصالحة وعمـارة الكون الذي يعيش فيه. ( فعن طلحة بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رءوس النخل فقال : «ما يصنع هـؤلاء؟ فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أظن يغني ذلك شيئا.. قال فأخبروا بذلك فتركوه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإني لن أكذب على الله عز وجل ) [7] . وفي رواية أخرى قال: «أنتم أعلم بأمر دنياكم» [8] .

          فقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه» وكذلك قوله : « أنتم أعلم بأمر دنياكم»، إنما يشير إلى البحث العقلي عن طريق المحاولة والتجربة الشخصية. وقد أشار الرسول ( إلى أهمية هـذه التجربة،من ذلك [ ص: 116 ] مارواه أبو سـعيد رضي الله عنه ، قال: ( قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : «لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة ) [9] .

          فالعقل الإنساني في نموه ونضجه وتكونه وزيادة علمه وفهمه واتساع مداركه مرتبط تمام الارتباط بالحواس.

          التالي السابق


          الخدمات العلمية