الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          حقوق الإنسان في ضوء الحديث النبوي

          الأستاذ / يسري محمد أرشد

          الخاتمة

          بعد أن حاولنا إلقاء الضوء على الجوانب المتعددة من الحديث النبوي في إطار حقوق الإنسان، ورغم محدودية مساحة هـذه الدراسة بالنظر إلى سعة البحر الزاخر للشريعة الإسلامية، فإنه يمكننا تسجيل النتائج التالية:

          1- الرسالات السماوية (الإسلام) تبنت جميعا، بأصالة وشمولية، إقرار حقوق الإنسان وحمايتها كقضية أساسية وجوهرية في سياق هـديها لإخراج الناس من الظلمات إلى النور. ولم يدخر الإسلام الخاتم وسعا في سبيل تطوير الوسائل الكفيلة بتلك الحماية. وقد تميـزت التشريعات والمبادئ الأخلاقية الإسلامية بتيسير سبل ممارسة الإنسان لحقوقه في إطار من الآلية الإيجابية، بحيث يتسع بها مدى تمتع الإنسان بتلك الحقوق ويضيق فيها مجال الحرمان منها.

          وإذا أردنا إيجاز الإشارة إلى الميزات التشريعية والأخلاقية الإسلامية في هـذا المجال، كما تطرحها النصوص، فإننا نجدها على النحو الآتي:

          أ- إن التشريع الإسلامي يعتمد أساسا في إطاره العام والشامل على المصادر الإلهية في القرآن والحديث، ومن المفهوم أن هـذه القاعدة الأساسية للتشريع توفر نوعين من المزايا هـما: [ ص: 190 ] -الروحانية: التي تزود الشريعة ببعد إضافي مقدس يتمثـل أساسا في الوفاء باحتياجات الناس الأخلاقية، بحيث يصبحون أكثر تجاوبا مع الشريعة وأكثر تعاونا فيما بينهم كمجتمع مترابط سعيد.

          - البعد الإلهي في كون القاعدة المقدسة بعيدة كل البعد عن التدخل الإنساني، فيكسب هـذا التشريع المزيد من الثبات وعدم التحيز ويجعله خاليا تماما من المطامع والأنانية الإنسانية. إن هـذا البعد يجعل الشريعة أكثر اعتدالا، ويميزها بوضوح بالعدالة والإنصاف. إن الإنسان يتمتع بالسيادة نظير خلافته على الأرض، وهو أعلى المخلوقات شأنا، ولذا فقد منح الحرية كاملة في أداء فروضه وواجباته أمام الله وفقا لثقافته وقدراته العقلية، وضمن المبادئ المقررة في المصادر الإلهية للتشريع. ولقد وجد الإنسان عبر العصور أن تلك المبادئ تنحو به نحو الوفاء باحتياجات المجتمع الإنساني الدائم التطور.

          - إن المبادئ الأصلية للديانات السماوية قبل بعثة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم تشكـل تراثا عظيما من الأخلاقيات والقيم الروحية إلى جانب أنظمتها التشريعية والتنظيمية للمجتمع، إضافة إلى أن تلك الديانات تشكـل مراحل تاريخية مهدت للوصول إلى النظام الإسلامي، وبالتالي فإن القواعد والمبادئ غير المنسوخة من الديانات السابقة يمكن اعتبار النظر إليها وتبنيها كمصادر تشريعية، إضافة إلى مصادر التشريع في الإسلام، مما يؤدي بدوره إلى اتساع مدى المشترك الإنساني والانسجام والتآلف بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب. [ ص: 191 ] ج- اعتبار كل من العدالة والحرية حقوقا أساسية لكل فرد وللمجتمع عامة بحيث يتم الحفاظ بذلك على التوازن بين حقوق الأفراد وحقوق المجتمع، فالمجتمع يقوم على المساواة بين أفراده، الذين يتقاسمون الحقوق والواجبات على قدم المساواة، لما فيه مصلحتهم جميعا كمجتمع متحد ومتآلف. ففي الحديث: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ثم شبك بين أصابعه ) وفي هـذا إحلال مبدأ الأخوة الإنسانية محل روح القبلية والعنصرية القديمة، ولذا فان مساعدة أي فرد محتاج في المجتمع تعتبر مسئولية شرعية وقانونية جماعية ومشتركة، إلى جانب كونها مسئولية دينية وفضيلة أخلاقية، إذ أن الأفراد يشكلون المجتمع ويدعمونه، ومن جانب آخر يوفر لهم المجتمع الحماية والرعاية اللازمتين، لأن الحقوق والواجبات المتبادلة بين أفراد المجتمع، ومنها الحقوق المالية المتداولة بينهم عن طريق الميراث والقواعد الاجتماعية للسلوك بشكل عام، تحظى جميعا بالاهتمام الأساس للشريعة الإسلامية.

          د- قيام مفهوم الحقوق والواجبات الاقتصادية على أساس أن الثروة هـي أمانة إلهية مودعة لدى الإنسان، فيجب التعامل معها وتداولها وفقا للقواعد والإجراءات الشرعية، وحيث إن ملكية الثروة هـي ملك منفعة، فإنه يتوجب استغلالها لما فيه مصلحة مالكها والمجتمع معا.

          ه- المشاركة في الحياة السياسية، من حيث إنها مصلحة عامة يشارك فيها جميع أفراد المجتمع ضمن إطار عمل شرعي وأخلاقي، لما فيه خير الجميع. وبناء عليه، فإن حق تأسيس الجمعيات وقيام الجماعات السياسية وحرية الرأي [ ص: 192 ] العام لإجراء الرقابة على أعمال الحكومة وتحقيق الشرعية، وحرية الدين والعقيدة وغيرها من الحقوق، إنما تمثـل نتائج طبيعية يتم الحصول عليها بمشاركة الجميع في كافة الشئون العامة. كما يمثـل الوازع الديني والأخلاقي رقابة ذاتية ناجعة لتوعية الأمة الإسلامية ويعمل كضمانة وضابط لسلوكها في علاقتها في المجال الدولي بغيرها من الأمم على أحسن حال بمراعاة العدالة والابتعاد عن كل ما من شأنه الإساءة إلى تلك الأمم، بذلك تكون الأمة على وعي تام بفعلها التاريخي ومدركة لصلتها بالله وموفية بمسئوليتها أمامه.

          2- وفرة النصوص الحديثية المتعلقة بموضوع حقوق الإنسان، وثراء دلالاتها وتنوع مفرداتها يجعل الإحاطة بها في حدود حجم البحث أمرا متعذرا، وحبذا لو أمكن جرد تلك النصوص من مظانها واستثمارها في سلسلة بحوث متخصصة لإبراز ما يقدمه الحديث في هـذا المضمار.

          3- تناول الحديث النبوي لموضوع حقوق الإنسان يتميز بشمول الطرح واعتماد النظرة المتعددة الأبعاد في المعالجة، بعيدا عن التسطيح والتجزئة، وهو يهتم بمبحث الضمانات بدرجة مساوية لاهتمامه بمضمونية تلك الحقوق، ويتذرع بكل السبل للعمل على إضفاء قدسية خاصة على الحقوق الإنسانية من خلال ربطها بالعلاقة بالله مباشرة، ومن هـذه الزاوية ركز الحديث كثيرا على أهمية دور الإلزام الإيماني ودرجة إدراك الصلة بالله لضمان التمتع بتلك الحقوق. [ ص: 193 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية