الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          المطلب الأول:الجسم وأثره في معالجة حقوق الإنسان

          إن الإسلام يراعي الجسم من حيث هـو جسم، ليصل من ذلك إلى الغاية النفسية المرتبطة به، فحين ( يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ... فإن لجسدك عليك حقا ) [1] إنما يقصد بذلك ما يلزم الجسم من إطعام وراحة وتنظيف وتقويم، فهو يدعو إلى هـذه العناية الشاملة بالجسم كله، ليأخذ الإنسان بنصيب من المتاع الحسي الطيب الحلال، الذي أمر الله به في توجيهاته الكثيرة.

          لهذا نجد للسنة موقفا واضحا من النظافة الجسمية والصحة الجسدية.. فقد عملت على تأكيد الالتزام بالطهارة في البدن والثياب ونحوها، وجعلتها شرطا لازما لصحة الصلاة، التي هـي عماد الدين.. ( عن عبد الله بن عمر [ ص: 128 ] رضي الله عنه ، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقبل صلاة بغير طهور ) [2] . ( ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : الطهور شطر الإيمان... ) [3] .

          وحددت السنة خصال الفطرة الحميدة، التي تعتبر أهم ركائز النظافة الشخصية. ( فعن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء [4] ... قال: مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة ) [5] .

          ونستدل من هـذا كله على أن الإسلام صريح غاية الصراحة في معالجة الأمور الجسدية. فالوضوء مثلا عملية جسمية وإن كان له معان روحية قصد بها تطهير البدن قبل الدخول في الصلاة.

          وركزت السنة النبوية على أهمية الصحة وأثرها الإيجابي في النمو لكونها من أهم دعائم الحياة السعيدة للإنسان، وحثته على مراعاة جانب الوقاية وجانب العلاج بكل عناية واهتمام حتى يحافظ على عافيته.. وأشار الحديث النبوي إلى أهمية اهتمام الفرد بالصحة والعافية، ودعاه إلى الحرص على أن [ ص: 129 ] يكون قويا قادرا على تحمل أعباء حياته وتبعاتها. ( يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : المؤمن القوي [6] خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. ) [7] .

          فالرماية والرياضة البدنية عامة هـي جزء من منهج التربية الإسلامية، كما جاء في حديث ( عقبة بن عامر ، رضي الله عنه ، يقول: سـمعت رسـول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) [8] ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي ) [9] .. وفي ذلك تأكيد لأهمية تقوية الجسم وترويضه على احتمال المشاق وبذل الجهد.

          أما من حيث الوقاية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إدخال المستيقظ يده في الإناء قبل غسـلها لكونها ربما تعرضت للأوساخ أو الجراثيم طيلة الليل.. ( يقول صلى الله عليه وسلم : إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده ) [10] .

          كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء باليد اليمني، لكونها تستعمل في تناول الطعام، فإذا ما مست النجاسة تكون وسيلة لنقل الجراثيم. [ ص: 130 ] لقد اهتم الإسلام غاية الاهتمام بالأمور الجسدية، من نظافة وصحة، حفاظا على حقوق الإنسان من المتاع وحفظا لبقائه. وهذا يدل أيضا على أن الإسلام لا يستقذر الأمور الجسدية، بل إن العبادات الإسلامية تشرك الجسم في العبادة ولا تسقطه من الحساب.

          ولكننا في مجال الحديث عن التربية البدنية والمعالجة الجسمية لن نقف عند حدود الجسم بمعناه الفسيولوجي البحت وإنما نتحدث كذلك عن الطاقة الحيوية المنبثقة من الجسم والمتمثلة في مشاعر النفس.

          والسؤال المطروح: هـل اهتم الحديث النبوي بهذه الطاقة والدوافع الفطرية ؟ وما دورها في معالجة حقوق الإنسان وقضاياه ؟

          التالي السابق


          الخدمات العلمية