إسلام ويب - إدارة الأزمة (مقاربة التراث والآخر) - الفصل الأول دراسة نظرية لفن إدارة الأزمة - المطلب الأول مفهوم إدارة الأزمة ولماذا تحدث الأزمة؟- الجزء رقم1

الفصل الأول

دراسة نظرية لفن إدارة الأزمة

المطلب الأول

مفهوم إدارة الأزمة.. ولماذا تحدث الأزمة؟

أولا: تعريف الإدارة

الإدارة في جذرها اللغوي تعني جعل الشيء يدور، ومن استعمالها بهذا المعنى ما جاء في صحيح مسلم باب: «استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ» ^[1] ، وكذا نقول: أدار الرحى، أي حركها ^[2] ، وأدار المحرك العجلة أي جعلها تدور، ثم أطلق وصف الإدارة على تحريك جهد جماعي نحو هدف وذلك للعلاقة التلازمية بين التحريك والدوران، ففي «الأم» للشافعي: «ويعطى أعوان إدارة والي الصدقة بقدر معوناتهم عليها ومنفعتهم فيها» ^[3] ، ومن عبارات المالكية: «التجارة على ثلاثة أنواع: إدارة واحتكار وقراض، فأما المدير فهو الذي يبيع ويشتري ولا ينتظر وقتا... وأما غير المدير وهو الذي يشتري السلع وينتظر بها الغلاء» ^[4] . [ ص: 35 ]

والإدارة في الاصطلاح: استخدام جهد مشترك لتحريكه نحو تحقيق هدف موحد ^[5] .

فالإدارة تفترض وجود جهد مشترك، فلا يوصف العمل الفردي بصفة الإدارة؛ إذ المدير يتولى تنفيذ الأهداف عن طريق فريق العمـل يوجههم. كما أن الإدارة تتعامل مع الناس، فلا يوصف التعامل مع الآلات والجمادات بأنه عمل إداري إلا إذا كان له صلة بالناس، ويريد توجيه جهودهم نحو هدف ما.

وعملية الإدارة هي تهيئة الظروف المناسبة لتحقيق الهدف بتوجيه فريق العمل نحو الهدف، وإعداد الكوادر المؤهلة للتنفيذ، ثم التدبير للتنفيذ.

ثانيا: تعريف الأزمة

الأزمة في لغة المعجم هي الشدة ^[6] ، يقال: أزم العام اشتد قحطه ^[7] ، وتطلق الأزمة على فترات القحط وشح الموارد، كما تطلق على المصائب والابتلاءات ومن ذلك قولهم: «وعلى قدر الأزمات يأتي الفرج» ^[8] . [ ص: 36 ]

استخـدم الصينيون منذ قرون الكلمة «weiji» تعبيرا عن لفظ الأزمـة، وهي كلمة مركبة تتضمن معنيين هما: الفرصة والخطر، بمعنى أن أي أزمة تنطـوي على خطر يجب تجنبه، كما أنـها تنطوي على فرصة يجب استغلالها ^[9] .

وتعرف الأزمة في المصطلح الإداري، بالنظر إلى آثارها ^[10] ، بأنها: تهديد خطير يمكن أن يعصـف بأهـداف وقيم ومعتقـدات وممتـلكات الأفراد أو المنظمات والدول، سواء أكان الخطر متوقعا أم غير متوقع ^[11] . وصور الأزمات متعددة متنوعة فمنها الهرج والمرج، حيث يختل النظام في المجتمع، وتزول قدرة المؤسسات القضائية والأمنية والاجتماعية على الضبط والسيطرة بسبب فتنة تتسم بالفجائية والتعصب ^[12] -غير أن مصطلح الأزمة أوسع دلالة من مصطلح الهرج والمرج- ومنها الأزمات المالية الناتجة عن نقص في السيولة، أو انعدام الثقة في المؤسسات المالية، لأسباب متنوعة ومتعددة. [ ص: 37 ]

وكذا فإن تخبيب المرأة على زوجها بشكل مؤسسي، حيث تقوم مؤسسات على إفساد العلاقة بين الزوجين، كالحركات الأنثوية المتطرفة «feminist» مستغلة عملها تحت مظلة الأمم المتحدة للضغط على الدول لتعديل تشريعاتها بما ينسجم مع الرؤية الليبرالية للأسرة، كما تعمل على تعديل قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية لتنسجم مع الرؤية الليبرالية للأسرة، التي تعترف بأشكال متنوعة لا تقتصر على العلاقة بين رجل وامرأة بل تشمل العلاقات المثلية والأمهات العزباوات «Single Mothers»، كل هـذه المقترحات يمـكن أن توصف بأنـها أزمة على مستوى المجتمع؛ لأنها تعصف بأهداف الزوجين لإنشاء أسرة مستقرة، كما أنها تؤدي إلى خلل في النظام الاجتماعي كله.

وكذا فإن عجز الموازنة وعدم قدرتها على تلبية موارد للصرف على النفقات يوصف بأنه أزمة.

وحركة البغي والتمـرد على الدولة، الـتي تستبيح القتل وحمل السلاح توصف بأنها أزمة على مستوى الدولة؛ لأنها تعصف بقيم الأخوة داخل المجتمع.

وارتفاع حرارة الأرض بشكل مطرد بما يهدد بانتشار الأوبئة والأمراض يوصف بأنه أزمة يطلق عليها أزمة الاحتباس الحراري ^[13] . وهكذا [ ص: 38 ] فإن مفهوم الأزمة أوسع دلالة من بعض استعمالاته المقتصرة على الجانب الاقتصادي المالي مثلا.

كما توصف الأزمة بأنها لحظة حرجة، لما قد يترتب عليها من تحول مصيري في حياة الأفراد أو المؤسسات أو الدول، وغالبا ما تتزامن مع عنصر المفاجأة، مما يتطلب مهارة عالية لإدارتها والتصدي لها بشكل شرعي وقانوني وليس بقرارات عنيفة أو ارتجالية ^[14] .

وتعرف الأزمة أيضا، باعتبار الوصف الغالب، بأنها: أمر غير متوقع الحدوث، يشوش الذهن، ينبئ بحدوث تغيير حاسم ووشيك.

ثالثا: التعبير القرآني عن الأزمة

عبر القرآن الكريم عن الأزمة بلفظ «الفتنة»، وللفتنة بعض خصائص الأزمة. فهي تعصف بالمؤسسة، تهدد القيم،

كما قوله تعالى: ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ) (الأنفال:25)،

وهنا يشير القرآن إلى خصائص الأزمة، وأنها لا تقتصر على الذين ظلموا بل تعصف بالجميع، وهذا مقارب لما يعبر عنه علماء الإدارة من أن الأزمة تشكل تهديدا لقيم المؤسسة وممتلكاتها، كما تكشف الآية الكريمة أن الأزمات تنشأ عن خلل في النظام؛ إذ سياق الآية جاء ضمن الدعوة [ ص: 39 ] للاستجابة لله والرسول والتحذير من سلوك الذين ينقضون عهدهم في كل مرة،

قال تعالى: ( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون * ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون * يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون * واتقوا فتنة ) إلى آخر الآيات (الأنفال:22-25)،

وفي هذا إيماء إلى ارتباط الفتن بما حذر منه القرآن الكريم من نقض العهود.

كما عبر القرآن عن الأزمة بلفظ «المصيبة»

فمن ذلك قوله تعالى: ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير ) (آل عمران:165)،

فالهزيمة في المعركة هي أزمة تحتاج إلى إدارة لتجاوز آثارها، وأول خطوات المعالجة الصحيحة الاعتراف بالخطأ وعدم إلقاء اللوم على الآخرين، وهذا ما توجه إليه الآية الكريمة.

ومن استعمالات القرآن الكريمة للفظ المصيبة بمعنى مرادف للأزمة اصطلاحا قوله تعالى: ( وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) (البقرة:155-156)، وهو توجيه مهم لمواجهة الأزمة أثناء حدوثها لنتمكن من الخروج منها واحتواء الضرر، والسيطرة على آثار الأزمة بعد حدوثها واستعادة النشاط والفاعلية. [ ص: 40 ]

رابعا: استعمال لفظ الأزمة في كتب الحديث النبوي

استعملت كلمة الأزمة في السنة النبوية بمعنى الشدة، وهي تطلق على سنوات القحط والجوع والضائقة المالية، وهي بهذا المعنى قد لا تدخل في مفهوم الأزمة، بالمصطلح الإداري.

ومن استعمالات الأزمة في السنة:

1- ورد لفظ الأزمة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، من ذلك ما روي من أنه كان من نعم الله على علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وما صنع الله له وأراده به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب في عيال كثير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه العباس، وكان من أيسر بني هاشم: ( يا أبا الفضل، إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه نخفف عنه من عياله، آخذ من بنيه رجلا وتأخذ أنت رجلا فنكفلهما عنه، فقال العباس: نعم. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى تنكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فضمه إليه، وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه، فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيا، فاتبعه وصدقه، وأخذ العباس جعفرا، ولم يزل جعفر مع العباس حتى أسلم واستغنى عنه ) ^[15] . [ ص: 41 ]

2- ومن استعمالات الأزمة أيضا ما ورد عن سعيد بن يسار قال: رأيت رجلا من جهينة لم أر رجلا قط أعظم منه ولا أطول منه، فقال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في أزمة أو لزبة أصابت الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توزعوهم، فكان الرجل يأخذ بيد الرجلين، وكان القوم يتحاموني لما يرى من عظمي وطولي، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي إلى منـزله فحلب لي شاة فشربت لبنها، ثم حلب لي أخرى فشربت لبنها، ثم حلب لي أخرى فشربت لبنها، حتى حلب لي سبعا، قال: فذهبت فلما كان من الغد أسلمت، ثم جئت ثم حلب لي شاة واحدة فشبعت ثم رويت، فقلت: والله يا رسول الله ما شبعت قط ولا رويت قبل اليوم، فقال: ( المؤمن يشرب في معي والكافر يشرب في سبعة أمعاء ) ^[16] .

3- ووردت نصوص اشتهرت على ألسنة الناس، وهي أحاديث موضـوعة، مثل ما روي علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( اشتدي أزمة تنفرجي ) ^[17] ، والحديث موضوع من جهة السند، غير أنه في علم الإدارة صحيح المعنى؛ لأنه يتضمن معنى مطلوبا، وهو ثقة الإداري بأن داخل الأزمة فرصة للنجاة لمن تدبر فيها؛ وعليه ينبغي أن نتعلم كيف نواجه الأزمة برباطة جأش. [ ص: 42 ] 4- وعن الأحنف بن قيس قال: «ما سمعت بعد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن من كلام أمير المؤمنين علي حيث يقول: ( إن للنكبات نهايات، لا بد لكل أحد إذا نكب من أن ينتهي إليها، فينبغي للعاقل إذا أصابته نكبة أن ينام لها حتى تنقضي مدتها، فإن في دفعها قبل انقضاء مدتها زيادة في مكروهها )^[18] .

وحمل الكلام على ظاهره غير مقبول من الناحية الإدارية؛ لأن شأن الأزمة أن تضعنا أمام لحظة حرجة: إما أن ننطلق وإما أن ننكسر، فالسكون لها تصرف إداري خاطئ؛ ويمكن تفسير هذا الكلام من الناحية الإدارية على النحو التالي: الأزمة تمر بمراحل أربع: تبدأ بالتكوين، ثم النمو والاتساع ثم الانحسار والاختفاء ^[19] ، وهذا لا يحصل من غير إدارة، ولا يحصل بأن ننام عنها، إلا أن يفهم كلام الأحنف على أنه أحد أشكال التعامل مع الأزمة لحظة انفجارها بأن نستوعب مطالبها ونستجيب لها، كما لو حدث إضراب عمالي فلا بد من موقف مرن من الإدارة، بأن تطلب موعدا للتفاوض معهم؛ لتهدأ الأوضاع ثم تستمع لهم، ثم تعطيهم شيئا من مطالبهم إلى أن تخف حدة الأزمة، وتعد طريقة لاحتواء الأزمة؛ وامتطاء الأزمة أحد الطرق الحديثة في إدارة الأزمة شرط أن يكون هذا الموقف عن وعي وبصيرة وتقدير للوضع، لا أن يكون عن غفلة وتناوم؛ لأن شأن الأزمة في المفهوم الإداري أنها قابلة للازدياد على نحو خطر لا يدرك آثاره إن لم نحسن إدارته ^[20] . [ ص: 43 ]

5- وفي الحديث القدسي الشريف استعملت لفظة «الفتنة» للتعبير عن الأزمة، بالمعنى الإداري، كما بين الحديث ما في الفتنة من تشويش للذهن، وهو أحد خصائص الأزمة: قال: ( إني لأجد نعت قوم يتعلمون لغير العمل، ويتفقهون لغير العبادة، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة، ويلبسون جلود الضأن وقلوبهم أمر من الصبر، فبي يغترون، أو إياي يخادعون، فحلفت بي لأتيحن لهم فتنة تترك الحليم فيها حيران ) ^[21] ، فترك الحليم حيرانا هو بمعنى تشويش الذهن، وهو مطابق لما يذكره الإداريون في وصف آثار الأزمة بأنها حدث غير متوقع يشوش الذهن ^[22] ، وتعد الأوصاف التي جاء ذكرها في الحديث من قسوة القلب، وطلب الدنيا بعمل الآخرة، بمثابة إشارات إنذار مبكر تستدعي المعالجة السريعة للنظام التعليمي، القيمي لتفادي حدوث الأزمة.

خامسا: تعريف إدارة الأزمة

تعرف إدارة الأزمة بأنها التخطيط للأزمة بأسلوب علمي للتحول نحو وضع أفضل ^[23] .

وهي العملية الإدارية المستمرة المستندة إلى التنبؤ بالأزمات المحتلمة، ثم تعبئة الموارد المتاحة وحشدها لمنع الأزمة، بعد دراسة كلفة الهدف، قيميا [ ص: 44 ] وماديا، واختيـار العلاج الذي يحقق أقـل ضرر، مع ضمـان العـودة إلى الأوضاع الطبيعية في أسرع وقت وبأقل كلفة، ثم دراسة أسباب الأزمة للاعتبـار ومنع تكرارها، ومحـاولة الاستفادة من الأزمة لقـلب الخسائر إلى إيجابيات ^[24] .

وتعرف أيضا بأنها: علم وفن إدارة التوازنات والتكيف مع المتغيرات المختلفة، وبحث آثارها في كافة المجالات، ويمكن القول أيضا: إنها عملية الإعداد والتقدير المنظم والمنتظم للمشكلات الداخلية والخارجية، التي تهدد بدرجة خطيرة سمعة المنظمة وبقائها ^[25] .

وإدارة الأزمة تقتضي التعامل العلمي مع الأزمة عبر مجموعة خطوات، منهـا ما يكون قبل نشوء الأزمة، ثـم أثناء وقوعها، وبعد وقوعها، وهو ما نعرضه تاليا.

سادسا: أقسام الأزمات باعتبارات متعددة

تقسم الأزمات باعتبارات متعددة؛ فمن حيث مصدرها تقسم إلى أزمات داخلية وخارجية، فالداخلي ما كان من داخل المؤسسة ومن طبيعة العمل فهو مستكن فيه، إلى أن يأتي وقت يظهر فيه، كتمرد الموظفين في المؤسسة مثلا؛ والخارجي كالزلازل الطبيعية أو وجود قوى خارجية تدعم الأزمة. [ ص: 45 ]

ومن حيث حجمها: كبيرة وصغيرة؛ ومن حيث استمراريتها: مؤقتة ومستمرة؛ ومن حيث المسبب: طبيعية أو من صنع الإنسان؛ ومن حيث المستوى: دولي وإقليمي ومحلي، ومجموعات وأفراد، وهكذا ^[26] .

وهناك أزمات على مستوى الدول، مثل تمرد مجموعة من مواطني الدولة، أو مواجهة الدولة لعدوان غير متوقع.

سابعا: أسباب الأزمة ^[27]

للأزمة مقدمات وجو حاضن تعد بمثابة الأسباب والشروط للأزمة، فمن أخذ بأسبابها نال نتائجها، ومن تجنب أسباب الأزمة نال النجاة منها: ( ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون ) (الأنعام:132).

والبحث في أسباب الأزمة يدخل في عموم قوله تعالى: ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير ) (العنكبوت:20)، فإذا كان البحث في الحفريات يكشف لعلماء الطبيعة كيف نشأت الحياة وارتقت فإن لفظ الخلق عام يشمل خلق الإنسان وخلق الأزمات؛ وفي الآية دلالة على أن التدبر في كشف القوانين يحتاج إلى سير في الأرض «والسير في الأرض يفتح العين والقلب على المشاهد الجديدة التي لم تألفها العين ولم يملها القلب. وهي لفتة [ ص: 46 ] عميقة إلى حقيقة دقيقة. وإن الإنسان ليعيش في المكان الذي ألفه فلا يكاد ينتبه إلى شيء من مشاهده أو عجائبه؛ حتى إذا سافر وتنقل وساح استيقظ حسه وقلبه إلى كل مشهد، وإلى كل مظهر في الأرض الجديدة» ^[28] ، فطول مجاورة الأخطاء يؤدي إلى أن تألفها النفس ولا تعود تراها، ولذا حتى نكتشف الأزمة فإننا نحتاج إلى تفكر بعقلية المتدبر، السائر في الأرض يكتشف كل جديد، ويتعلم العلاقات بين الأشياء، لإدراك أسباب الأزمة والمؤشرات التي سبقتها ولم نتنبه لها.

وأسباب الأزمة والنجاة منها من السنن الإلهية، والقوانين الاجتماعية تجري على المسلم وغير المسلم، وهي أشبه بقوانين الفيزياء كقانون الجاذبية، وقوانين الطاقة وغيرها، وإحاطة الإداري بها ضروري، وهي للإداري المسلم في موقع الدعوة أو المؤسسات الإسلامية أشد حاجة لخطورة الآثار المترتبة على فوتها.

وتعد الإحـاطة بأسباب الأزمـة من شروط التأهل للاستخلاف، لصلتها الوثقى بمفهوم الإحاطة، الذي نص على اعتباره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ( وإن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه ) ^[29] ، ومقتضى الإحاطة الوعي للسنن الكونية المساعدة على نجاح أو فشل المتصدي للأحكام الشرعية. [ ص: 47 ]