الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إدارة الأزمة (مقاربة التراث .. والآخر)

الأستاذ الدكتور / عبد الله إبراهيم الكيلاني

10- تعارض الأهداف والمصالح بين من يصنع القرار وبين من ينفذه

وهذا يستدعي توحيد الرؤية والأهداف لدى جميع العاملين، وبناء روح الفريق، وإشاعة أجواء المحبة.

11- أسباب إدارية مختلفة للأزمة

ومن ذلك:

أ- عدم التفويض

عدم التفويض لاتخاذ القرار يعني أن تناط جميع القرارات بشخص واحد.. ومهما تكن قدرات الفرد الإبداعية فإن انشغاله بالتفاصيل اليومية سيكون على حساب التخطيط والتطوير والقيام بدراسات لمعرفة المتغيرات في ميدان العمل ومواجهة الخطر قبل وقوعه، ولهذا لا بد من التفويض ليتمكن الإداري من الاضطلاع بأعمال إدارية أكبر.. وهذا التفويض لابد أن يراعي الكفاءة وأن يكون مع رقابة، وقد تكلم الماوردي عن مفهوم التفويض ومشروعيته، واستند فيه إلى أدلة من القرآن والقياس والمعقول، ووضع شروطا للشخص المفوض، ومحور الشروط «الكفاية»؛ لأن الوزير مباشر مرة ومستنيب [1] ، فلا يصل إلى استنابة الكفاة إلا أن يكون منهم، كما لا يقدر على المباشرة إذا قصر عنهم، وفي هذا يقول: [ ص: 66 ]

«والوزارة على تفويض وتنفيذ؛ فأما وزارة التفويض فهو أن يستوزر الإمام من يفوض إليه تدبير الأمور برأيه، وإمضاءها على اجتهاده، وليس يمتنع جواز هذه الوزارة، قال الله تعالى حكاية عن نبيه موسى، عليه الصلاة والسلام: ( واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري ) (طه:29-32)،

فإذا جاز ذلك في النبوة كان في الإمامة أجوز -أي من باب أولى- ولأن ما وكل إلى الإمام من تدبير الأمة لا يقدر على مباشرة جميعه إلا بالاستتابة، ونيابة الوزير المشارك في التدبير أصـلح في تنفيذ الأمور من تفرده بها ليستظهر به على نفسه، وبها يكون أبعد من الزلل وأمنع من الخلل؛ فإنه مباشر لهما تارة ومستنيب فيهما أخرى، فلا يصل إلى استنابة الكفاة إلا أن يكون منهم، كما لا يقدر على المباشرة إذا قصر عنهم، وعلى هذا الشرط مدار الوزارة، وبه تنتظم السياسة، وهو أن يكون من أهل الكفاية...».

ثم شرع في بيان الأوصاف المستحبة في الوزير، وقال: «ولئن لم يكن هذا من الشروط الدينية المحضة فهو من شروط السياسة الممازجة لشروط الدين لما يتعلق بها من مصالح الأمة واستقامة الملة» [2] .

ب- عدم الرقابة

غياب الرقابة مدخل للغش والخيانة والتسيب وتراكم الأخطاء، فقد يخون الأمين ويغش الناصح، ولذا لا بد من وجود نظام للرقابة. [ ص: 67 ]

ولا يغني التفويض عن الرقابة، فلا يصح أن يكون التفويض بلا رقابة، وتصفح للأحوال، ولا تعذر الإدارة العليا بعدم الرقابة لانشغالها ولو بالعبادة، قال الماوردي في بيانه لواجبات الإدارة العليا: «أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال لينهض بسياسة الملة ولا يعول على التفويض تشاغلا بلذة أو عبـادة، فقد يخون الأمين ويغش النـاصح

وقد قال تعالى: ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) (ص:26)،

فلم يقتصر الله سبحانه على التفويض دون المباشرة، ولا عذر في الاتباع حتى وصفه بالضلال، وهذا وإن كان مستحقا عليه بحكم الدين ومنصب الخلافة فهو من حقوق السياسة لكل مسترع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) [3] .

والرقابة أنواع، من أهمها الرقابة الصحيحة، وهي التي تستخدم أساليب إدارية صحيحة ولا تعتمد التجسس والريبة، ( لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم ) [4] . فاعتماد الإدارة على التجسس والنميمة هو سبب للأزمات.

ومصطلح الرقابة لم يستعمل في الفقه الإسـلامي والنظم الإسلامية وإنما استعمل مصطلح يقابله ويتضمن مفهومه وهو «الاحتساب»، و«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» و «النصح». [ ص: 68 ]

ج- عدم التحفيز والمكافأة

فشعور العامل أن عمله سيكون محل تقدير يدفعه للإنجاز، فإذا كانت الإدارة تساوي بين المنتج والمهمل، في عدم وجود مكافآت فهذا يدعو لإهمال المجد، وقد نبه القرآن إلى خلل هذا المنهج بقوله سبحانه:

( أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون ) (القلم:35-36)،

وهذا تنبيه قرآني إلى أهمية وجود حوافز، واعتماد نظام للمكافآت.

د- انعدام روح الأخوة أو روح الفريق

وهو ما عبر عنه ابن خلدون بفساد العصبية، حيث تغيب روح الأخوة وينتشر التحاسد والتباغض. وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذا الداء وأنه داء الأمم من قبلنا، فقال: ( دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحـلق الدين؛ والذي نفسـي بيده لا تدخلوا الـجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذاكم لكم؟ أفشوا السلام بينكم ) [5] .

وإفشاء السلام هو حاجة نفسية، مثلما هو وظيفة اجتماعية، فالنفس الإنسانية تحتاج إلى أن يبش بها إنسان، كما أن لإفشاء السلام وظيفة اجتماعية بإشاعة المحبة والتعبير أن من ألقى إليك التحية هو من أمتك، أو من [ ص: 69 ] غيرها [6] ، ولما كان التبشيش من الأمور الخفية وضع الشرع له ضابطا وهو الصيغة المعروفة: السلام عليكم، فإذا قام بها الإنسان فقد حقق مقصودها [7] ، ويعد إفشاء السلام الخطوة الأولية لإزالة الإيحاش والشعور بالجفوة، حتى ورد أنه من خير شعب الإسلام وأعمال المسلم، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، ( أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ) [8] .

ولا ريب أن هذه المكانة لإفشاء السلام إنما جاءت من آثاره الاجتماعية في الإبقاء على الألفة داخل مجموعة العمل، قال الدهلوي: «الناس يحتاجون إلى إظهار التبشيش فيما بينهم، وأن يلاطف بعضهم بعضا، ويرى الصغير فضل الكبير ويرحم الكبير الصغـير، ويواخي الأقران بعضهـم بعضا، فإنه لولا هذه لم تثمر الصحبة فائدتها ولا أنتجت جدولها، ولو لم تضبط بلفظ لكانت من الأمور الباطنة لا تعلم إلا استنباطا من القرائن، ولذلك جرت سنة السلف في كل طائفة بتحية حسبما أدى إليه رأيهم، ثم صارت شعـارا لملتهم، وإمارة لكون الرجـل منهم» ولي الله الدهلوي، حجة الله البالغة، ص843. ، وفي المستدرك: «سيصيب أمتي داء الأمم»، فقالوا: [ ص: 70 ] يا رسول الله، وما داء الأمم؟ قال: ( الأشر والبطر والتكاثر والتناجش في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي ) [9] ، والمقصود بالبغي هنا مجاوزة الحد، وهو تحذير شديد من التنافس في الدنيا، وتقديم المكاسب المادية على روح الأخوة، فهذا التنافس المادي المجرد من القيم هو أساس الآفات ورأس الخطيئات وأصل الفتن، وعنه تنشأ الشرور، ومآله إلى فوات المكاسب المادية [10] .

ومن هنا يتضح أن التمسك بقيم الأخوة هو الذي يحفظ المؤسسة، ويديم المكاسب المادية، ويمكن من التمتع بالطيبات؛ ذلك أن غياب الألفة يسلب الخير. وامتلاك الثروة لا يعطي الشعور بالسعادة من غير أجواء الألفة، فالمال وحده لا يعطي السعادة، والألفة تأتي بمحاربة جراثيم التحاسد والتباغض داخل المؤسسـة. وفي الحديث: ( المؤمن مألفة، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ) [11] .

ولهذا ينبغي على الإدارات الحكيمة أن تعمل على بث روح الأخوة والألفة، وعلى وضع نظام إداري يضمن دوام الألفة، بحيث توزع المكافآت بعدالة، فلا يكافأ النمام، ولا يقرب المنافق، بل على الإدارة أن تتخذ إجراءات صارمة توضح للموظفين أنها لا تقبل التقرب إليها بالنميمة، وقد [ ص: 71 ] جمع البيهقي الأحاديث في هذا الباب تحت عنوان: «ما على السلطان من منع الناس عن النميمة وترك الأخذ بقول النمـام» [12] ، وفي الباب حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر، قال: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مال فقسمه، قال: فمررت برجلين وأحدهما يقول لصاحبه: والله ما أراد محمد بقسمته وجه الله ولا الدار الآخرة فتثبت حتى سمعت ما قالا ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنك قلت لنا لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا وإني مررت بفلان وفلان وهما يقولان كذا وكذا. قال: فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وشق عليه ثم قال: دعنا منك، فقد أوذي موسى أكثر من ذلك ثم صبر ) [13] .

هـ- غياب أو عدم وجود هيكل تنظيمي

وهو من أسباب وقـوع الأزمة؛ حيث لا تتحدد صلاحية كل جهة، ولا تعرف مسؤولية كل فريق، وإلى من يرجع كل فريق في اتخاذ القرار، فتتعارض التعليمات، وهذه نقطة ضعف يمكن أن تكون مدخلا لأزمة إدارية.

و- عدم وضوح المهمات المطلوبة وتعارض التعليمات الإدارية

وهذه من الأخطاء الإدارية التي تخترق منها الأزمة إلى المؤسسة. [ ص: 72 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية