الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إدارة الأزمة (مقاربة التراث .. والآخر)

الأستاذ الدكتور / عبد الله إبراهيم الكيلاني

ومن أسباب الأزمة

1- نقص المعلومة وسوء الفهم

بما يؤدي إلى إصدار قرارات قبل تبين حقيقة الحكم، وقد ذم القرآن من يتخذ القرار قبل أن يحيط علما بالمسألة، ويتمكن من الموضوع، فقال متعجبا من حال كفار قريش: ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ) (يونس:39)،

قال ابن عاشور: «فهم قد كذبوا قبل أن يختبروا، وهذا من شأن الحماقة والجهالة» [1] ، فأدى بهم نقص المعلومة وعدم الإحاطة إلى اتخاذ قرارات خاطئة في قضية مصيرية.

وتعد المعلومة من أهم ما يعتمد عليه الإداري في اتخاذ القرارات، فنقصها سبب لأزمة، كما أن الحصول عليها مهم لإدارة الأزمة والوقاية منها [2] .

ولأهمية المعلومة، حث القرآن الكريم على التعليم المستمر فقال سبحانه: ( وقل رب زدني علما ) (طه:114)،

ونبهت آيات سورة الكهف في قصة موسى والرجل الصالح إلى أهمية المعلومة في تجنب الأزمة كما في قصة السفينة: ( أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ) (الكهف:79). [ ص: 48 ]

كما أن الهدف من لقاء موسى ، عليه السلام، مع الرجل الصالح هو طلب العلم؛ إذ تدل مناسبة القصة أن الله عاتب موسى حين تبعه رجل من أتباعه المعجبين به عقيب خطبة وعظ بها قومه، فرقت لها القلوب، وسالت منها العيون، ( فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم، إليه فأوحى الله إليه إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك ) [3] . وفي القصة عبرة للقيادات الإدارية تحذرهم من الشعور بكمال المعرفة فيرفضون السماع للآخر، أو الاستماع للمخالف؛ لأن هذا السلوك سبب لدخول الإدارة في أزمة.

والمتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد نماذج تلفت النظر لمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم لأخبار قريش، فتشير كتب السيرة عن مناسبة معركة بدر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه أن عيرا لقريش قادمة من الشام: «لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين إليهم، وقال: ( هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها، فانتدب المسـلمون، فخف بعضهم وثقل بعضهم ) [4] ، وهذا يكشف عن متابعة النبي، عليه الصلاة والسلام، للحركة الاقتصادية للعدو، ومتابعة لموعد وصولها وخط سيرها، وفي الوقت نفسـه كان أبو سفيان يهتم بجمع «المعلومات».. وكان حين دنا من [ ص: 49 ] الحجاز يتجسـس الأخبار ويسـأل من يلقى من الركبان حتـى قيل له: إن محمدا صلى الله عليه وسلم قد استنفر أصحابه لك، فحذر عند ذلك، فاستـأجر ضمضم ابن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا ويستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم سريعا إلى مكة فصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره وقد جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه يقول: «يا معشر قريش، اللطيمـة اللطيمـة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد صلى الله عليه وسلم في أصحابه لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث. فتجـهز الناس سراعا فكانوا بين رجلين إما خارج وإما باعث مكانه رجلا» [5] .

وهنا تلاحظ أهمية المعلومـة للطرفـين، ثم لما هزمت قريش رصدت مال القافلة لمعركة قادمـة تثأر لهزيمتـها، وقد وصلت المعلومة للنبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي ابن سعد: قال ابن سعد: «وكتب العبـاس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم كله، فأخبر رسـول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن الربيع بكتاب العباس» [6] . فالمعلومة كما ترى مهمة، ومن يملك المعلومة يخفف الإضرار، ويتمكن من التصدي للأخطار. [ ص: 50 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية