الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إدارة الأزمة (مقاربة التراث .. والآخر)

الأستاذ الدكتور / عبد الله إبراهيم الكيلاني

6- التآمر والابتزاز

وذلك باكتشـاف تصرف خاطئ لصانع القرار ثم تهديده بكشفه إن لم يستجب، ومن شأن هذا السلوك أن يصنع أزمة للمؤسسة لسببين:

أ- فإذا كان الابتزاز لمتخذ القرار في المؤسسة لتحقيق مصالح شخصية لقوى داخل المؤسسة، فيئول الأمر إلى إدارة غير علمية لا تعتمد التخطيط والتنسيق وإنما حماية نفسها من الفضيحة، وتدخل في الإدارة من ثم العشوائية.

ب- إذا كان الابتزاز من الإدارة للمنفذين، بحيث تستغل الإدارة أخطاء موظفين وتهددهم بالفضيحة إن لم يقوموا بما طلب منهم، فإننا ندخل في مشكلة تربوية؛ لأن الإدارة هنا تتعامل مع أفراد دمرت قيمهم، ولم يعودوا يعيشون للقيم النبيلة، بل يعيشون لذاتهم، ولذاتهم ومصالحهم الغريزية، وهم لن يترددوا عن تدمير المؤسسة لحماية أنفسهم وتحقيق مصالحهم.

فالتهديد بالفضيحة والابتزاز يدمر القيم الأخلاقية لدى الطرفين: المهدد والمهدد، مما يؤدي إلى تدمير القيم في المؤسسة، وهذا يشكل بيئة مناسبة للتآمر وشيوع الأهواء ومحاولة الانتقام، ولذا وجهنا الإسلام إلى الحرص على الستر، وفي الحديث عن معاوية رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنك إن اتبعت عورات الناس أفسـدتهم أو كدت أن تفسدهم، فقـال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها ) [1] .

كما اتخذ الفقهاء إجراءات وقائية تمنع الابتزاز، بحيث أبطلوا شهادة من رأى جريمة الزنا إذا قدم شهـادته بعد أيام من الحدث، وعـللوا ذلك بأنه [ ص: 62 ] إما أنه سكت طلبا للستر على أخيه أو لمحاولة الابتزاز، فإن كان للابتزاز فقد سقطت عدالته، فلا تقبل شهادته، وإن كان للستر فليبق على ما قصد. وفي هذا المعنى يقول الكاساني في معرض ذكره لشروط الشهادة على الجرائم الحدية: «(وأما) الذي يخص البعض دون البعض (فمنها) عدم التقادم، وأنه شرط في حد الزنا والسرقة وشرب الخمر، وليس بشرط في حد القذف، والفرق أن الشاهد إذا عاين الجريمة فهو مخير بين أداء الشهادة حسبة لله تعالى؛

لقوله تعالى عز وجل: ( وأقيموا الشهادة لله ) (الطلاق:2)،

وبين التستر على أخيه المسلم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( من ستر على أخيه المسلم ستر الله عليه في الآخرة ) [2] ، فلما لم يشهد على فور المعاينة حتى تقادم العهد دل ذلك على اختيار جهة الستر، فإذا شهد بعد ذلك - دل على أن الضغينة حملته على ذلك فلا تقبل شهادته» [3] .

التالي السابق


الخدمات العلمية