الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ثم قال:


      فدارة علامة السكون أعلاه والتشديد حرف الشين

      ذكر في هذا البيت علامة السكون ومحله وعلامة التشديد ومحله، فعلامة السكون أشار إليها بقوله: "فدارة علامة السكون"، ومحله أشار إليه بقوله: "أعلاه"، فكأنه يقول: فعلامة السكون دارة تجعل فوق الحرف الساكن؛ أي: منفصلة عنه؛ فالضمير في أعلاه عائد على الحرف الساكن المفهوم من قوله: "السكون"; لأن السكون صفة، وكل صفة لا بد لها من موصوف تقوم به، واقتصر في علامة السكون على الدارة اعتمادا على اختيار أبي داود، واقتداء بالأكثرين من نقاط مدينة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم يجعلون علامة السكون دارة، وأخذوها مما تقرر عند أهل الحساب من جعل دارة صغيرة في المنزلة الخالية من العدد دلالة على الخلو، فما كان الحرف [ ص: 261 ] الساكن خاليا من الحركة جعلوا عليه تلك الدارة دليلا على خلوه من الحركة، وجرى بذلك عمل المتأخرين وعليه عملنا الآن، وفيه مذاهب أخر لم يتكلم عليها الناظم لكون المتأخرين تركوا العمل بها منها مذهب الخليل وأصحابه أن علامة السكون خاء هكذا "الحمد لله"، وأرادوا بذلك الحرف الأول من خفيف، ومنها مذهب نقاط الأندلس أن علامة السكون جرة، وأرادوا بذلك مذهب الخليل لكنهم أسقطوا رأس الخاء، وأبقوا مطتها إلا أن مذهبهم إنما يحسن مع نقط الدؤلي، ومنها مذهب بعض النحاة والأقل من أهل المدينة أن علامة السكون هاء واقفة، فهؤلاء كلهم يقولون بافتقار الساكن إلى علامة السكون، وخالف في ذلك بعض نقاط العراق، فلم يجعلوا للسكون علامة أصلا، ثم أشار إلى علامة التشديد ومحله بقوله: "والتشديد حرف الشين" أي: وعلامة التشديد شين؛ يريد غير معرفة، ولا مجرورة، ولا منقوطة، ويريد أيضا أنها أعلاه؛ أي: أعلى الحرف المشدد، وحذف "أعلاه" من هنا لدلالة "أعلاه" الأول عليه، هذا الوجه هو مذهب الخليل وأصحابه، وإنما قال الناظم: "حرف الشين"، ولم يقل: "حرف السين"; لأن الخليل أخذ الحرف الأول من شديد -وهو الشين- وجعله علامة التشديد محتجا بأن العرب تستغني بالحرف الأول من الكلمة والكلام بدليل قول الشاعر:

      نادوهم إذ ألجموا ألاتا     قالوا جميعا كلهم ألافا

      أراد بالأول "ألا تركبون"، وبالثاني "ألا فاركبوا"، وعلى هذا الوجه غالب نقاط المشرق، واختاره " أبو داود" لمن ينقط بالحركات المأخوذة من الحروف لكون مخترع الجميع واحدا، وهو " الخليل "، وبهذا الوجه جرى عملنا، وسيذكر الناظم غير هذا الوجه،

      التالي السابق


      الخدمات العلمية