الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
90 [ ص: 79 ] 65 - (89) - (1 \ 15) عن معدان بن أبي طلحة اليعمري: أن عمر بن الخطاب قام على المنبر يوم الجمعة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أبا بكر، ثم قال: رأيت رؤيا لا أراها إلا لحضور أجلي، رأيت كأن ديكا نقرني نقرتين، قال: وذكر لي أنه ديك أحمر، فقصصتها على أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر رضي الله عنهما، فقالت: يقتلك رجل من العجم. قال: وإن الناس يأمرونني أن أستخلف، وإن الله لم يكن ليضيع دينه، وخلافته التي بعث بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وإن يعجل بي أمر فإن الشورى في هؤلاء الستة الذين مات نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فمن بايعتم منهم، فاسمعوا له وأطيعوا، وإني أعلم أن أناسا سيطعنون في هذا الأمر، أنا قاتلتهم بيدي هذه على الإسلام، أولئك أعداء الله الكفار الضلال.

وايم الله، ما أترك فيما عهد إلي ربي فاستخلفني شيئا أهم إلي من الكلالة، وايم الله، ما أغلظ لي نبي الله صلى الله عليه وسلم في شيء منذ صحبته أشد ما أغلظ لي في شأن الكلالة، حتى طعن بإصبعه في صدري، وقال: " تكفيك آية الصيف، التي نزلت في آخر سورة النساء " وإني إن أعش فسأقضي فيها بقضاء يعلمه من يقرأ ومن لا يقرأ.

وإني أشهد الله على أمراء الأمصار إني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم، ويبينوا لهم سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويرفعوا إلي ما عمي عليهم.

ثم إنكم أيها الناس تأكلون من شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين: هذا الثوم والبصل، وايم الله، لقد كنت أرى نبي الله صلى الله عليه وسلم يجد ريحهما من الرجل فيأمر به فيؤخذ بيده فيخرج به من المسجد حتى يؤتى به البقيع، فمن أكلهما لا بد، فليمتهما طبخا.

قال: فخطب الناس يوم الجمعة، وأصيب يوم الأربعاء.


التالي السابق


* قوله: "لا أراها" : - بضم الهمزة - ; أي: لا أظن تلك الرؤيا.

[ ص: 80 ] * "كأن ديكا" : - بكسر فسكون - : معروف.

* "قال" : أي: الراوي.

* "وذكر" : على بناء المفعول، يريد أنه ما سمع هنا من عمر، ولكن سمعه من غيره.

* "يقتلك رجل من العجم" : فكان كذلك.

روي أن عمر كان لا يترك عجميا يدخل المدينة، فكتب إليه المغيرة من الكوفة أن لي غلاما نجارا حدادا فيه منافع للمدينة، فأذن له، وجعل عليه خراجا مئة، فشكا كثرة الخراج إلى عمر، فقال عمر: ما هو بكثير في جنب ما تحسن، فغضب العلج، وقال له عمر يوما: حدثتك أنك تصنع رحى يطحن بالريح، فسخط، وقال: سأصنع لك رحى يتحدث بها في الشرق والغرب، فاستعمل خنجرا له رأسان، وكمن له في زاوية المسجد، وخرج عمر يوقظ الناس للفجر، ثم جاء في المحراب، فوثب عليه، وطعنه ثلاث طعنات، وطعن ثلاثة عشر رجلا، ثم نحر نفسه.

* "ليضيع" : من أضاع، أو ضيع - بالتشديد - .

* "وخلافته" : أي: إجراء الأحكام في الأرض نيابة عنه.

* "وإن يعجل" : كيفرح.

* "في هذا الأمر" : أي: يرون أنهم أحق بالأمر من الستة.

* "أولئك أعداء الله" : أي: كأعداء الله في المعاملة، وأراد به التغليط، ويحتمل أن هؤلاء كانوا منافقين.

* "فيما عهد إلي" : أي: في أمر الدين الذي أوصاني به.

[ ص: 81 ] * "واستخلفني" : أي: جعلني خليفة في إجرائه.

* "عمي" : كفرح.

* "إلا خبيثتين" : كريهتين ريحا.

* "يجد ريحهما" : أي: ريح أحدهما.

* "فيخرج به من المسجد" : تأديبا له على ما فعل من الدخول في المسجد مع الرائحة الكريهة.

* "حتى يؤتى به البقيع" : كان ذلك للتنبيه على أنه لا يصلح لمصاحبة الأحياء; لأنهم يتأذون بمثل هذه الرائحة، وإنما يصلح لمصاحبة الأموات، أو أنه قد لحق الأموات حيث جعل نفسه محروما من ذكر الله في المساجد.

* "فليمتهما" : من أمات; أي: ليزل ريحهما بالطبخ.

* * *




الخدمات العلمية