الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو قال بع مني عبدي هذا أو استأجره مني أو قال أكريتك داري هذه أو أعرتك داري هذه ، فقال نعم فهذا كله إقرار له بالملك ; لأن نعم غير مفهوم المعنى بنفسه فيكون محمولا على الجواب ما تقدم يصير معادا فيه . وكذلك لو قال ادفع إلي حلة عبدي هذا أو أعطني ثوب عبدي هذا ، فقال نعم ، فقد أقر له بالثوب والعبد ; لأن نعم غير مفهوم المعنى بنفسه فكان محمولا على الجواب فكأنه قال أعطيك ثوب عبدك ، وذلك إقرار له بالملك في العبد نصا ، وفي الثوب دلالة ; لأنه أضاف الثوب إلى العبد الذي أضافه إليه بالملكية فترك إضافته إلى مملوكه يصير بمنزلة إضافته إليه فصار بهما .

وكذلك لو قال افتح باب داري هذه أو خصص داري هذه أو أسرج دابتي هذه أو ألجم بغلي هذا أو أعطني سرج بغلي هذا أو لجام بغلي هذا ، فقال نعم فهذا إقرار لما بينا أن نعم غير مفهوم المعنى بنفسه فلا بد من حمله على الجواب ; لأنه لو لم يحمله عليه صار لغوا وكلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن ولا يحمل على اللغو إلا إذا تعذر حمله على الصحة ، ولو قال لا في جميع ذلك لم يكن إقرارا ، وفي بعض نسخ كتاب الإقرار قال يكون إقرارا . أما إذا قال لا أعطيكها اليوم أو قال لا أعطيكها أبدا فهذا إقرار منصوص عليه في بعض روايات كتاب الإقرار ; لأنه صرح بنفي الإعطاء إما مؤبدا أو مؤقتا ، والكناية المذكورة في كلامه تنصرف إلى ما سبق فكأنه قال لا أعطيك سرج بغلك أو لجام بغلك ولو صرح بهذا كان إقرارا بملك [ ص: 18 ] العين له ، وأما إذا أطلق حرف لا ففي بعض النسخ قال هذا نفي لما طلبه منه وإنما طلب منه الإعطاء فكان هذا نفيا للإعطاء فيجعل إقرارا بملك العين له كما في الفصل الأول .

ووجه ما ذكر في عامة النسخ أن لا جواب هو نفي فيكون موجبه ضد موجب جواب هو إثبات ، وهو قوله نعم ، فإذا جعل ذلك إقرارا عرفنا أن هذا لا يكون إقرارا ، وهذا لأنه نفي جميع ما سبق ذكره فكأنه قال لا أعطيك ، وليس البغل والسرج واللجام لك ; لأن هذا اللفظ صالح لنفي جميع ذلك بخلاف قوله لا أعطيكها ولو قال الآخر إنما لك علي مائة درهم فهذا إقرار بالمائة ; لأن كلمة إنما لتقرير الحكم في المذكور ونفيه عما عداه قال الله عز وجل { إنما الله إله واحد } ولو لم يذكر حرف التقرير في المائة ، ولكن قال : لك علي مائة درهم كان إقرارا فعند ذكر حرف التقرير أولى . ولو قال : ليس لك علي مائة ولكن درهم فلم يقر له بشيء لأن كلمة ليس للنفي فلا يكون موجبا للإثبات ولا يقال لما خص المائة بالنفي ; لأنه كان دليلا على أن ما دونه ثابت ; لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه عندنا والمفهوم ليس بحجة فلا يجعل هذا اللفظ إقرارا بشيء باعتبار المنظوم ولا باعتبار المفهوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية