الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ولو كانت الدار في يد ثلاثة نفر فادعى أحدهم جميعها والآخر ثلثيها والآخر نصفها وأقاموا البينة واستحلف كل واحد منهم ونكل فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله القسمة على طريق المنازعة بينهم فتكون من أربعة وعشرين سهما لأن في يد كل واحد منهم ثلث الدار ودعوى كل واحد منهم ينصرف إلى ما في يده ، ثم فيما فضل في ذلك إلى ما في يد صاحبه ; لأنه ليس أحدهما بأولى به من الآخر ولا بينة لكل واحد منهم فيما في يده ، فأما الثلث الذي في يد صاحب النصف لا بينة له في ذلك وصاحب الجميع يدعي الجميع وصاحب النصف يدعي الثلثين ; لأنه يدعي الثلثين ثلث في يده وثلث في يد صاحبه فيكون دعواه فيما في يد كل واحد منهما نصف الثلث فيسلم نصف هذا الثلث لصاحب الجميع بلا منازعة والنصف الآخر بينهما نصفان لاستواء منازعتهما فيه فصار هذا الثلث على أربعة والثلث الذي في يد صاحب الثلثين صاحب الجميع يدعي جميعه وصاحب النصف يدعي ربعه لأنه يدعي النصف والثلث في يده فإنما بقي الثلث في يد صاحبه فكان دعواه في يد كل واحد منهما نصف السدس ، وذلك ربع ما في يديه فثلاثة أرباع ما في يده سالم لصاحب الجميع واستوت منازعتهما في الربع فكان بينهما نصفين وما في يد صاحب الجميع يدعي صاحب الثلثين نصفه وصاحب النصف ربعه ، وفي المال سعة فيأخذ كل واحد منهما [ ص: 86 ] ثم مات المشتري وأحد الغرماء وارثه واكتسب العبد مالا في مرضه ، ثم مات فإن ماله يقسم بين غرمائه الثلاثة الباقين كل منهم يضرب بدينه ويضرب الوارث بدينه ولا يضرب الذي أعتقه بدينه ; لأن الديون كلها واجبة في ذمته لم يقض شيء منها من ثمنه والدين الواجب في ذمة العبد يقضى من كسبه بعد موته إلا أن دين المشتري قد سقط عنه ; لأنه ملك رقبته والمولى لا يستوجب على عبده دينا ، وقد كان يحول حقه إلى الثمن الذي قبضه القاضي فلما هلك ذلك فات محل حقه أصلا فسقط دينه فلهذا لا يضرب في الكسب الذي بعد العتق بشيء وأما وارث المشتري فهو أجنبي عن العبد فدينه ثابت في ذمته بعد العتق كدين الآخرين ، وهو ، وإن صار وارثا للعبد بموت المشتري فإنما صار وارثا بسبب حادث بعد الإقرار ، وهو الولاء فلا يبطل ذلك إقراره فلهذا يضرب مع الآخرين بدينه .

وكذلك إن كان أحد غرماء الدين أقر لهم وارث العبد لأنه حين أقر له لم يكن وارثه فلا يبطل إقراره له ، وإن صار وارثا بعد ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية