الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أقر المريض بدين لوارثه ولأجنبي بإقراره باطل لما فيه من منفعة الوارث فإن ما يحصل للأجنبي بهذا الإقرار يشاركه الوارث فيه بخلاف ما إذا [ ص: 36 ] أوصى لوارثه ولأجنبي فإن الوصية تصح في نصب الأجنبي ; لأن ذلك أنسأ عقدا ، فإذا صححناه في حق الأجنبي لم ينتفع به الوارث .

والإقرار إخبار بدين مشترك بينهما ، فإذا صححناه في نصب الأجنبي انتفع الوارث بالمشاركة معه في ذلك ، فإن كان كاذبا بالشركة بينهما أو أنكر الأجنبي الشركة ، وقال لي عليه خمسمائة ، ولم يكن بيني وبين وارثه هذا شركة لم يصح إقراره أيضا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وصح في قول محمد رحمه الله في نصب الأجنبي وجه قوله أنه لمهما بالمال وادعى عليهما الشركة في المقر به ، وقد صدقاه فيما أقر وكذباه فيما ادعى عليهما أو أنكر الأجنبي الشركة التي ادعاها إليه فلم تثبت الشركة بقوله ، وإذا لم تثبت الشركة بقي إقراره للأجنبي صحيحا لأن المانع من صحة الإقرار كان منفعة الوارث ، وعند انتفاع الشركة لا منفعة للوارث في صحة إقراره للأجنبي . وجه قولهما أن الإقرار وقع فاسدا بمعنى من جهة المقر ، وهو قصده إلى اتصال المنع وإلى وارثه فلا ينقلب صحيحا لمعنى من جهة المقر له ; لأن فساده مانع من صيرورته دينا في ذمة المقر ، وليس للمقر له ولاية على ذمته في إلزام شيء فلا تقدر على تصحيح إقراره لما فيه من إلزام الدين في ذمته بخلاف ما إذا أقر بعبد في يده لهذا أو هذا فاصطلحا كان لهما أن يأخذه ; لأن فساد الإقرار هناك ليس بمعنى من جهة المقر ، وهو عجز المجهول عن المطالبة به ، وقد زال ذلك باصطلاحهم ، وإذا كان المفسد معنى من جهتهما ولهما ولاية على أنفسهما صح منهما إزالة المفسد بالاصطلاح وكلام محمد رحمه الله ليس بقوي لأنه ما أقر لهما بالمال إلا بصفة الشركة بينهما ولا يمكن إثباته مشتركا لما فيه من منفعة الوارث ولا يمكن إثباته غير مشترك ; لأن ذلك غير ما أقر به ، وهذا بخلاف ما لو أقر بالمال مؤجلا ; لأن الأجل ليس بصفة للمال وكيف يكون صفة للمال ، وهو حق من عليه المال

( ألا ترى ) أن بعد حلول الأجل يبقى المال كما كان ، فأما هنا كونه مشتركا بينهما صفة لهذا الدين فلا يمكن إثباته بدون هذه الصفة ; لأن الدين إنما وجب بسبب ، وإذا وجب مشتركا بذلك السبب لا يصير غير مشترك مع بقاء ذلك السبب ما دام دينا لأن إيقاع الشركة يكون بالقسمة وقسمة الدين لا تجوز ، فإذا ثبت أنه لا يمكن إثباته غير مشترك كان تجاحدهما وتصادقهما على الشركة سواء . ولو استقرض المريض من وارثه مالا بمعاينة الشهود كان هو بمنزلة الأجنبي في ذلك ; لأنه لا تهمة للسبب المعاين .

التالي السابق


الخدمات العلمية