الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام ( ثم الأكل إيصال ما يحتمل المضغ بفيه إلى الجوف ) كخبز وفاكهة ( مضغ أو لا ) أي وإن ابتلعه بغير مضغ ( والشرب إيصال ما لا يحتمل الأكل من المائعات إلى الجوف ) كماء وعسل ، ففي حلف لا يأكل بيضة حنث ببلعها [ ص: 766 ] وفي لا يأكل عنبا مثلا لا يحنث بمصه لأن المص نوع ثالث ، ولو عصره وأكل قشره حنث بدائع لكن في تهذيب القلانسي حلف لا يأكل سكرا لا يحنث بمصه وفي عرفنا يحنث ، وأما الذوق فعمل الفم لمجرد معرفة الطعم وصل إلى [ ص: 767 ] الجوف أم لا فكل أكل وشرب ذوق ولا عكس ، ولو تمضمض للصلاة لا يحنث ولو عنى بالذوق الأكل لم يصدق إلا لدليل .

التالي السابق


باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام

لم يذكر مسائل اللبس هنا بل ذكرها في باب اليمين بالبيع والشراء فكان المناسب إسقاط اللبس من هذه الترجمة وذكره هناك ( قوله ثم الأكل ) ترتيب إخباري ط ( قوله إلى الجوف ) . متعلق بإيصال ، فلو حلف لا يأكل كذا أو لا يشرب فأدخله في فيه ومضغه ثم ألقاه لا يحنث حتى يدخله في جوفه لأنه بدون ذلك لا يكون أكلا بل يكون ذوقا ط عن البحر ( قوله كماء وعسل ) أي غير جامد وإلا فهو مأكول تأمل . ثم إن المائع الذي لا يحتمل المضغ إنما يسمى مشروبا إذا تناوله وحده وإلا فهو مأكول وكذا عكسه . ففي البحر عن البدائع لو حلف لا يأكل هذا اللبن فأكله بخبز أو تمر أو لا يأكل هذا العسل أو الخل فأكله بخبز يحنث لأنه هكذا يكون ولو أكله بانفراده لا يحنث لأنه شرب لا أكل وكذلك إن حلف لا يأكل هذا الخبز فجففه ثم دقه وصب عليه الماء فشربه لا يحنث لأنه شرب لا أكل ا هـ وفي الفتح حلف لا يأكل لبنا فشربه لا يحنث ولو ثرد فيه فأوصله إلى جوفه حنث ا هـ وقوله ثرد فيه بالثاء المثلثة أي فت الخبز فيه . وفي الخانية حلف لا يأكل اللبن فطبخ به أرزا فأكله قال أبو بكر البلخي لا يحنث وإن لم يجعل فيه ماء وإن كان يرى عينه ، وكذا لو جعله جبنا إلا أن ينوي أكل ما يتخذ منه . حلف لا يأكل السمن فأكل سويقا ملتوتا بالسمن ذكر في الأصل إن كان السمن مستبينا يجد طعمه حنث لأنه ليس بمستهلك ، وذكر الحاكم في المختصر إن كان بحيث لو عصر سال منه السمن حنث وإلا لا وإن وجد طعمه قال أي قاضي خان : وينبغي أن يكون الجواب في مسألة الأرز على هذا التفصيل ا هـ .

قلت : والحاصل أنه إذا حلف لا يأكل مائعا كلبن وسمن وخل فإن شربه لا يحنث وإن تناوله مع غيره ولم يستهلك كأكله بخبز أو تمر حنث ، وإن استهلك بأن لا يجد طعمه أو بأن لا ينعصر على الخلاف في تفسيره لم يحنث قال السائحاني وقول الحاكم أرفق ولذا مشت عليه الشروح ا هـ وأما لو خلط مأكولا بمأكول آخر فيأتي ببيانه في الفروع الآتية في أثناء الباب ( قوله ففي حلفه إلخ ) تفريع على تعريف الأكل ط ( قوله حنث ببلعها ) أي مع قشرها أو بدونه [ ص: 766 ] إذا كانت مسلوقة ( قوله وفي لا يأكل عنبا إلخ ) قال في الفتح : ولو حلف لا يأكل عنبا أو رمانا فجعل يمتصه ويرمي تفله ويبتلع المتحصل بالمص لا يحنث لأن هذا ليس أكلا ولا شربا بل مص ا هـ ومثله في البحر عن البدائع .

قلت : لكن يصدق عليه تعريف الشرب المذكور وهو إيصال ما لا يحتمل المضغ من المائعات إلى الجوف إلا أن يكون المراد المائع وقت إدخاله الفم ، وعليه فالمراد بالمص استخراج مائية الجامد بالفم وإيصالها إلى الجوف . ومقتضاه أنه لو حلف لا يمص شيئا لا يحنث بشرب المائع مع أن السنة في شرب الماء المص ، فعلم أن المص أعم من الشرب من وجه ، فيجتمعان فيما إذا أخذ الماء بفيه مع ضيق الشفتين ، وينفرد الشرب بالعب والمص باستجلاب مائية الجامد بالفم ، حتى لو عصر الفاكهة وشرب ماءها عبا يحنث في حلفه لا يشرب لا في حلفه لا يمص ، ولو شربه مصا حنث فيهما هذا ما ظهر لي ( قوله لأن المص نوع ثالث ) أي في بعض الأوجه في الصورة المذكورة وإلا فقد يكون شربا كما علمته ( قوله وأكل قشره ) أي ولم يشرب ماءه لأن ذهاب الماء لا يخرجه من أن يكون أكلا له ألا ترى أنه إذا مضغه وابتلع الماء أنه لا يكون آكلا له بابتلاع الماء فدل أن أكل العنب هو أكل القشر والحصرم منه وقد وجد فيحنث بحر عن البدائع وفيه نظر كما في الذخيرة .

وحاصله أنه ذكر في العيون أنه إذا ابتلع ماءه فقط لم يحنث ولو ابتلع الحب أيضا دون القشر يحنث وعلله الصدر الشهيد بأن العنب اسم لهذه الثلاثة ففي الأول أكل الأقل وفي الثاني الأكثر وله حكم الكل ( قوله لا يحنث بمصه ) لأنه ليس بأكل فقد وصل إلى جوفه ما لا يتأتى فيه المضغ ذخيرة ( قوله وفي عرفنا يحنث ) من تتمة كلام القلانسي وهو محط الاستدراك . ا هـ . ح أي لأنه يؤكل بالمضغ وبالمص عادة ، وكذا العنب والرمان ( قوله وأما الذوق فعمل الفم إلخ ) هذا هو الحق على ما في الفتح خلافا لما في النظم من أنه عمل الشفاه دون الحلق فإنه يدل على أن عدم الوصول إلى الجوف مأخوذ في مفهوم الذوق .

قلت : لكنه موافق لما في الفتح من رواية هشام : حلف لا يذوق فيمينه على الذوق حقيقة ، وهو أن لا يوصل إلى جوفه إلا أن يتقدمه كلام يدل عليه نحو أن يقال تغد معي فحلف لا يذوق معه طعاما فهذا على الأكل والشرب . ا هـ .

مطلب في الفرق بين الأكل والشرب والذوق

( قوله فكل أكل وشرب ذوق ولا عكس ) أي وليس كل ذوق أكلا أو شربا بناء على أن الذوق أعم مطلقا لأنه لا يشترط فيه الوصول إلى الجوف بل يصدق بدونه بخلافهما ، فإذا أكل أو شرب يحنث في حلفه لا يذوق وإذا حلف لا يأكل أو لا يشرب فذاق بلا إيصال إلى الجوف لم يحنث ، لكن فيه أنه قد يتحقق الأكل بلا ذوق كما لو ابتلع ما يتوقف معرفة طعمه على المضغ كبيضة أو لوزة وعليه فبين الأكل والذوق عموم وجهي وعن هذا [ ص: 767 ] قال في الفتح : إن قول المحيط لو حلف لا يذوق فأكل أو شرب يحنث يغلب على الظن أن المراد به الأكل المقترن بالمضغ أو بلع ما يدرك طعمه بلا مضغ لأنا نقطع بأن من ابتلع قلب لوزة لا يقال فيه ذاقها ولا يحنث ببلعها . ا هـ .

قلت : وعلى ما مر عن النظم فبينهما التباين كما بين الأكل والشرب فلا يحنث الحالف على واحد من الثلاثة بفعل الآخر ( قوله لا يحنث ) أي في حلفه لا يذوق الماء كما في الجوهرة لأنه لا يقصد به ذوق الماء بل إقامة القربة ولذاكره الذوق للصائم دون المضمضة ( قوله لم يصدق إلا لدليل ) أي كقول القائل له تغد معي كما مر وكذا العرف الآن لو قال ابتداء لا أذوق في بيت زيد طعاما فإنه يراد به الأكل .




الخدمات العلمية