الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال أنت طالق ثلاثا وثلاثا ) إن شاء الله أو أنت حر وحر إن شاء الله طلقت ثلاثا وعتق العبد ( عند الإمام ) لأن اللفظ الثاني لغو ، ولا وجه لكونه توكيدا للفصل بالواو ، بخلاف قوله حر حر أو حر وعتيق لأنه توكيد وعطف تفسير فيصح الاستثناء ( وكذا ) يقع الطلاق بقوله ( إن شاء الله أنت طالق ) فإنه تطليق عندهما [ ص: 372 ] تعليق عند أبي يوسف لاتصال المبطل بالإيجاب فلا يقع كما لو أخر ، وقيل الخلاف بالعكس ، وعلى كل فالمفتى به عدم الوقوع إذا قدم المشيئة ولم يأت بالفاء ، فإن أتى بها لم يقع اتفاقا كما في البحر والشرنبلالية والقهستاني وغيرها فليحفظ . وثمرته فيمن حلف لا يحلف [ ص: 373 ] بالطلاق وقاله حنث على التعليق لا الإبطال ( وبأنت طالق بمشيئة الله أو بإرادته أو بمحبته أو برضاه ) لا تطلق ، لأن الباء للإلصاق فكانت كإلصاق الجزاء بالشرط ( وإن أضافه ) أي المذكور من المشيئة وغيرها ( إلى العبد كان ) ذلك ( تمليكا فيقتصر على المجلس ) كما مر

التالي السابق


( قوله لأنه توكيد ) راجع لقوله حر حر قال في الفتح : وقياسه إذا كرر ثلاثا بلا واو أن يكون مثله ا هـ وقوله وعطف تفسير راجع لقوله حر وعتيق ، ففيه لف ونشر مرتب ، وإنما لم يجعل : حر وحر من عطف التفسير لأنه إنما يكون بغير لفظ الأول كما في الفتح .

مطلب مهم لفظ إن شاء الله هل هو إبطال أو تعليق

( قوله فإنه تطليق إلخ ) اعلم أن التعليق بمشيئة الله تعالى إبطال عندهما : أي رفع لحكم الإيجاب السابق وعند أبي يوسف تعليق ، ولهذا شرط كونه متصلا كسائر الشروط .

ولهما أنه لا طريق للوصول إلى معرفة مشيئته تعالى فكان إبطالا ، بخلاف بقية الشروط ، وعلى كل لا يقع الطلاق في مثل أنت طالق إن شاء الله تعالى ، نعم تظهر ثمرة الخلاف في مواضع .

منها ما إذا قدم الشرط ولم يأت بالفاء في الجواب ، كإن شاء الله أنت طالق . فعندهما لا يقع لأنه إبطال فلا يختلف . وعنده يقع لأن التعليق لا يصح بدون الفاء في موضع وجوبها .

ومنها ما إذا حلف لا يحلف بالطلاق وقاله حنث على التعليق لا الإبطال كما يأتي ، هذا ما قرره الزيلعي وابن الهمام وغيرهما ، ومثله في متن مواهب الرحمن حيث قال : ويجعل : أي أبو يوسف إن شاء الله للتعليق وهما للإبطال وبه يفتي . فلو قال : إن شاء الله أنت كذا بلا فاء يقع على الأول ويلغو على الثاني ا هـ لكن ذكر في متن المجمع عكس ذلك حيث قال : وإن شاء الله أنت طالق يجعله تعليقا وهما تطليقا ، وحمله في البحر على ما تقدم وفيه نظر ، فإن مقابلة التعليق بالتطليق تقتضي عدم الوقوع على قول أبي يوسف القائل بالتعليق والوقوع على قولهما ، [ ص: 372 ] على أنه صرح بذلك صاحب المجمع في شرحه ولا يخفى أن صاحب الدار أدرى ، وصرح بذلك أيضا في شرح درر البحار حيث ذكر أولا أن أبا يوسف يجعله تعليقا لأن المبطل لما اتصل بالإيجاب أبطل حكمه ، ثم قال : وجعلاه تنجيزا لما انتفى رابط الجملتين وهو الفاء بقي قوله أنت طالق منجزا . ا هـ .

وقال في التتارخانية : وإن قال إن شاء الله أنت طالق بدون حرف الفاء فهذا استثناء صحيح في قول أبي حنيفة وأبي يوسف . وفي الولوالجية : وبه نأخذ . وفي المحيط : وقال محمد هذا استثناء منقطع والطلاق واقع في القضاء ويدين إن أراد به الاستثناء ، وذكر الخلاف على هذا الوجه في القدوري . وفي الخانية لا تطلق في قول أبي يوسف وتطلق في قول محمد والفتوى على قول أبي يوسف ا هـ ومثله وفي الذخيرة . وذكر في الخانية قبل هذا أول باب التعليق مثل ما مر عن الزيلعي وغيره .

والحاصل أن أبا يوسف قائل بأن المشيئة تعليق ولكن اختلف في التخريج على قوله ، فقيل تلزم الفاء في الجواب كما في بقية الشروط فيقع بدونها ، وقيل لا فلا يقع وإن محمدا قائل بأنها إبطال .

واختلف في التخريج على قوله ، فقيل إنما تكون إبطالا وإن صح الربط بوجود الفاء في الجواب ، فلو حذفت في موضع وجوبها وقع منجزا وهو معنى كونها حينئذ للتطليق ، وقيل إنها عنده للإبطال مطلقا فلا يقع وإن سقطت الفاء . وأما أبو حنيفة فقيل مع أبي يوسف ، وقيل مع محمد ، وبهذا ظهر أن ما في البحر من أنه على القول بالتعليق لا يقع الطلاق إذا لم يأت بالفاء خلافا لما توهمه في الفتح من أنه يقع فيه نظر لما علمت من اختلاف التخريج وظهر أيضا أن ما في الفتح من أن أبا يوسف قائل بأنها للإبطال وأنه صرح في الخانية بذلك ، فهو مخالف لما سمعته على أن الذي رأيته في الخانية التصريح بأنها عنده للتعليق ، وكذا ما فيه من أن ما في شرح المجمع غلط ، وتبعه في النهر ، فهو بعيد لما علمت من موافقته لعدة كتب معتبرة ، ولتصريح القدوري به بل هو أحد قولين ، وقد خفي هذا على صاحب الفتح والبحر والنهر وغيرهم ، فاغتنم تحرير هذا المقام الذي زلت فيه أقدام الأفهام ( قوله لاتصال المبطل بالإيجاب ) علة لقوله تعليق كما مر عن شرح درر البحار ، والمراد بالمبطل لفظ إن شاء الله فإنه استثناء صحيح وإن سقطت الفاء من جوابه كما مر عن التتارخانية فيلغو الإيجاب وهو قوله أنت طالق ، فلا يقع .

واستشكله في البحر بأن مقتضى التعليق الوقوع عند عدم الفاء لعدم الربط . وأجاب الرملي بما في الولوالجية من أن المقصود منه إعدام الحكم لا التعليق ، وفي الإعدام لا يحتاج إلى حرف الجزاء ، بخلاف قوله إن دخلت الدار فأنت طالق لأن المقصود منه التعليق فافترقا ا هـ .

قلت : وهذا على أحد التخريجين ، وهو ما مشى عليه في المجمع وغيره . أما على التخريج الآخر من عدم صحة التعليق بدون الفاء وهو ما في الزيلعي وغيره فيقع كما مر فافهم ( قوله وقيل الخلاف بالعكس ) يعني الخلاف في أن التعليق بالمشيئة هل هو إبطال أو تعليق لا في مسألة المتن : أي فقيل إنه إبطال عند أبي يوسف تعليق عند محمد ، ولم يذكر هذا القائل أبا حنيفة ، ويحتمل إرادة الخلاف في مسألة المتن : أي قيل إنه يقع عند أبي يوسف لا عندهما كما مر عن الزيلعي وغيره فافهم ( قوله وعلى كل إلخ ) أي سواء قيل إن التعليق أو الإبطال قول أبي يوسف أو قول غيره .

فالمفتى به عدم الوقوع ، فما مشى عليه المصنف خلاف المفتى به ( قوله لم يقع اتفاقا ) إذ لا شك حينئذ في صحة التعليق ( قوله وثمرته إلخ ) هذا الضمير لا مرجع له في كلامه لأنه راجع إلى أنه لو أخر الشرط وقال [ ص: 373 ] أنت طالق إن شاء الله تعالى أو قدمه ، وأتى بالفاء في الجواب ، فهو إبطال عندهما تعليق عند أبي يوسف ، وقدمنا أن ثمرة الخلاف تظهر في مواضع منها مسألة المتن ، وهي ما إذا قدم الشرط ولم يأت بالفاء في الجواب كما قررناه سابقا ومنها هذه ، وبيانها ما في الخانية حيث قال : ولو قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال لها أنت طالق إن شاء الله طلقت امرأته في قول أبي يوسف ، ولا تطلق في قول محمد لأن على قول أبي يوسف أنت طالق إن شاء الله يمين لوجود الشرط والجزاء ، وعلى قول محمد ليس بيمين ا هـ أي لأنه عنده للإبطال وقدمنا أن الفتوى عليه ، وبما ذكرناه علم أن الضمير في قوله وقاله راجع إلى ما لو أخر الشرط كأنت طالق إن شاء الله أو قدمه وأتى بالفاء الرابطة كإن شاء الله فأنت طالق ( قوله أو برضاه ) الرضا ترك الاعتراض على الفاعل وإن لم يكن معه محبة ط ( قوله لأن الباء للإلصاق ) أي هو المعنى الحقيقي لها فيلتصق وقوع الطلاق بأحد هذه الأربعة وهي غيب لا يطلع عليها فلا تطلق بالشك ط ( قوله وإن أضافه ) أي بالباء ( قوله أي المذكور ) جواب عن المصنف حيث أفرد الضمير ومرجعه متعدد ط ( قوله فيقتصر على المجلس ) أي مجلس علمه ، فإن شاء فيه طلقت وإلا خرج الأمر من يده ( قوله كما مر ) أي في فصل المشيئة ح




الخدمات العلمية