الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال ) الزوج ( خالعتك فقبلت ) المرأة ولم يذكرا مالا ( طلقت ) لوجود الإيجاب والقبول ( و برئ عن ) المهر ( المؤجل لو ) كان ( عليه وإلا ) يكن عليه من المؤجل شيء ( ردت ) عليه ( ما ساق إليها من المهر المعجل ) لما مر أنه معاوضة فتعتبر بقدر الإمكان .

التالي السابق


( قوله قال الزوج خالعتك ) قيد بصيغة المفاعلة لأنه لو قال : خلعتك لا يتوقف على القبول ولا يبرأ كما في البحر وتقدم أول الباب ، وهذه المسألة في الزوجة البالغة ( قوله وبرئ عن المهر المؤجل إلخ ) ذكر في الخلاصة والبزازية أنه في الصورة يبرأ كل واحد منهما عن صاحبه في إحدى الروايتين عن أبي حنيفة ، وهو الصحيح وإن لم يكن على الزوج مهر فعليها رد ما ساق إليها من المهر لأن المال مذكور عرفا بذكر الخلع ا هـ وهكذا في الفتح . قال في البحر : وظاهر أول العبارة أن المهر إذا كان مقبوضا فلا رجوع له وصريح آخرها الرجوع ، وبه صرح في الخانية ، فحينئذ لم يبرأ كل واحد منهما عن صاحبه . قال : وقد ظهر لي أن محل البراءة ما إذا خالعها بعد دفع المعجل فإنها تبرأ عن المعجل ويبرأ هو عن المؤجل ، ولذا قال في المحيط الصحيح أنه يسقط المهر ، ما قبضت المرأة فهو لها ، وما بقي في ذمته يسقط ا هـ

قلت : ويؤيده أنه في الخانية لم يقل يبرأ كل واحد منهما ، بل قال ويبرأ الزوج عن المهر الذي لها عليه ، فإن لم يكن لها عليه مهر لزمها رد ما ساق إليها كذا ذكره الحاكم الشهيد وابن الفضل . ا هـ . وحاصله أن الزوج يبرأ مما لها في ذمته من المهر كلا ، أو بعضا ، وأما هي فلا تبرأ من البعض ، ولو قبضت [ ص: 460 ] الكل لزمها رده ، وبهذا ظهر ما في قول المصنف وإلا ردت ما ساق إليها من المعجل ، فإنه يوهم أنه لا يلزمها رد المؤجل إذا قبضت كل المهر ، فكان حقه أن يقول وإلا ردت المهر ، إلا أن يجاب بأنها إذا قبضت الكل صار كله معجلا فتأمل . ثم اعلم أن هذا كله مخالف لما في الفتح عند قوله ويسقط الخلع والمبارأة كل حق إلخ من أن البدل إن كان مسكوتا عنه ففيه ثلاث روايات أصحها براءة كل منهما عن المهر لا غير ، فلا يطالب به أحدهما الآخر قبل الدخول ، أو بعده مقبوضا أو لا ; حتى لا ترجع عليه بشيء إن لم يكن مقبوضا ، ولا يرجع الزوج عليها إن كان مقبوضا كله ، والخلع قبل الدخول لأن المال مذكور عرفا بالخلع إلخ ومثله في الزيلعي وشرح الوهبانية والمقدسي والشرنبلالية ، وقوله والخلع قبل الدخول أي ومثله لو بعده بالأولى لأنها إذا طلقت قبل الدخول لزمها رد نصف المهر ، فإذا لم يلزمها رد شيء منه هنا لم يلزمها بعد الدخول بالأولى .

وفي شرح الجامع الصغير لقاضي خان : خلعها ولم يذكر العوض عندهما لا يبرأ أحدهما عن صاحبه عن المال الواجب بالنكاح . وعن أبي حنيفة روايتان والصحيح براءة كل منهما عن صاحبه . ا هـ . وفي متن المختار : والمبارأة كالخلع يسقطان كل حق لكل منهما على الآخر مما يتعلق بالنكاح ، حتى لو كان قبل الدخول وقد قبضت المهر لا يرجع عليها بشيء ، ولو لم تقبض شيئا لا ترجع عليه بشيء ا هـ ومثله في متن الملتقى . وفي شرح درر البحار وشرح المجمع إن لم يسميا شيئا برئ كل منهما من الآخر قبضت المهر أم لا دخل بها أم لا . ا هـ .

قلت : وبه علم أن ما مر عن الفتاوى قول آخر غير المصحح في الشروح والمتون ، وظهر بهذا خلل كلام المصنف من وجهين : أحدهما أنه مشى على خلاف الصحيح . والثاني أنه يوهم أنها ترد المعجل فقط مع أنه لم يقل به أحد ، وإنما الخلاف في رد جميع المهر إذا كانت قبضته




الخدمات العلمية