الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وليس على المحصر حلق إذا حل وإن حلق أو قصر فحسن ، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى أرى عليه الحلق ، وإن لم يفعل فلا شيء عليه ، واحتج أبو يوسف رحمه الله تعالى بالحديث { فإن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 72 ] أحصر بالحديبية مع أصحابه فأمرهم بالحلق بعد بلوغ الهدايا محلها ، وكره لهم تأخير ذلك حتى ذكر ذلك لأم سلمة رضي الله عنها فقالت ابدأ بنفسك يا رسول الله فإنهم يظنون أن في نفسك رجاء الوصول إلى البيت للحال فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوا ذلك منه بادروا إلى الحلق } ، ولأنه لو لم يحصر لكان يتحلل بالحلق عند أداء الأعمال فكذلك بعد الإحصار ينبغي أن يتحلل بالحلق لقدرته على أن يأتي به ، وإن عجز عن سائر الأفعال وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا الحلق إنما يكون نسكا بعد أداء الأفعال فأما قبل أداء الأفعال فهو جناية فإذا تحقق عجزه عن ترتيب الحلق على سائر الأفعال لا يلزمه أن يأتي به وإنما تحلله بالهدي هنا ، والدليل عليه أن الله تعالى نهى المحصر عن الحلق حتى يبلغ الهدي محله بقوله تعالى { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } فذلك دليل الإباحة بعد بلوغ الهدي محله لا دليل الوجوب فأما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية فقد ذكر أبو بكر الرازي أن عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى إنما لا يحلق المحصر إذا أحصر في الحل أما إذا أحصر في الحرم يحلق ; لأن الحلق عندهما مؤقت بالحرم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان محصرا بالحديبية ، وبعض الحديبية من الحرم على ما روي أن مضارب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في الحل ، ومصلاه في الحرم فإنما حلق في الحرم ، وبه نقول على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بالحلق ليحقق به عزمهم على الانصراف ، ويأمن المشركون من جانبهم ، ولا يشتغلون بمكيدة أخرى بعد الصلح

التالي السابق


الخدمات العلمية