الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. ( قال ) محرم اصطاد صيدا فأرسله محرم آخر من يده فلا شيء عليه لأن الصيد محرم العين على المحرم بالنص قال الله تعالى { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } فلم يملكه بالأخذ كمن اشترى خمرا لا يملكها لأنها محرمة العين فإذا لم يملكه لم يكن المرسل من يده متلفا عليه شيئا ولأنه فعل عين ما يحق عليه فعله شرعا فهو كمن أراق الخمر على المسلم .

( قال ) ولو قتله في يده فعلى كل واحد منهما جزاؤه أما القاتل فلأنه جنى على إحرامه بقتل الصيد ، وأما الآخذ فلأنه كان متلفا لمعنى الصيدية فيه حكما بإثبات يده ثم يرجع الآخذ بما ضمن من الجزاء على القاتل عندنا ، وقال زفر رحمه الله تعالى لا يرجع عليه بشيء لأن الآخذ لم يملك الصيد ، ولا كانت له [ ص: 89 ] فيه يد محترمة ، ووجوب الضمان له على القاتل باعتبار أحد هذين المعنيين ، ولأنه بالقتل لزمته كفارة يفتى بها ، ويخرج بالصوم منها فلو رجع عليه إنما يرجع بضمان المالية ، ويطالب به ، ويحبس به ، ولا يجوز له أن يرجع عليه بأكثر مما لزمه ، وحجتنا في ذلك أن اليد على هذا الصيد كانت يدا معتبرة لحق الآخذ لأنه يتمكن به من الإرسال ، وإسقاط الجزاء به عن نفسه ، والقاتل يصير مفوتا عليه هذه اليد فيكون ضامنا له ، وإن لم يملكه الآخذ كغاضب المدبر إذا قتله إنسان في يده يدل عليه أنه قرر عليه ما كان على شرف السقوط ، وذلك سبب مثبت للرجوع عليه كشهود الطلاق إذا رجعوا قبل الدخول ، والذي قال يفتى به ، ويخرج عنه بالصوم فذلك ليس لمعنى راجع إلى نفس الحق بل لمعنى ممن له الحق فإن حقوق الله تعالى على عباده بطريق الفتوى ، والخروج عنه بالصوم لأن الله تعالى غني عن مال عباده إنما يطلب منهم التعظيم لأمره ، ومثل هذا التفاوت لا يمنع الرجوع كالأب إذا غصب مدبر ابنه فغصبه منه آخر ثم إن الابن ضمن أباه رجع الأب على الغاصب منه ، وإن كان هو لا يحبس فيما لزمه لابنه ، ويكون له أن يحبس الغاصب منه فيما يطالبه به .

التالي السابق


الخدمات العلمية