الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو حلف لا يجلس إلى هذه الأسطوانة أو إلى هذا الحائط فهدما ثم بنيا ) ولو ( بنقضهما ) أو لا يركب هذه السفينة فنقضت ، ثم أعيدت بخشبها ( لم يحنث كما لو حلف لا يكتب بهذا القلم فكسره ثم براه فكتب به ) لأن غير المبري لا يسمى قلما ، بل أنبوبا فإذا كسره فقد زال الاسم ومتى زال بطلت اليمين ( والواقف على السطح داخل ) عند المتقدمين [ ص: 748 ] خلافا للمتأخرين ، ووفق الكمال بحمل الحنث على سطح له ساتر وعدمه على مقابله : وقال ابن الكمال : إن الحالف من بلاد العجم لا يحنث قال مسكين وعليه الفتوى ، وفي البحر وأفاد أنه لو ارتقى شجرة أو حائطا حنث وعلى قول المتأخرين لا والظاهر قول المتأخرين في الكل ، لأنه لا يسمى داخلا عرفا كما لو حفر سردابا أو قناة لا ينتفع بها أهل الدار قال وعم إطلاقه المسجد فلو فوقه مسكن فدخله لم يحنث لأنه ليس بمسجد بدائع ولو قيد الدخول بالباب [ ص: 749 ] حنث بالحادث ولو نقبا إلا إذا عينه بالإشارة بدائع ( و ) الواقف بقدميه ( في طاق الباب ) أي عتبته التي بحيث ( لو أغلق الباب كان خارجا لا ) يحنث ( وإن كان بعكسه ) بحيث لو أغلق كان داخلا ( حنث ) في حلفه لا يدخل ( ولو كان المحلوف عليه الخروج انعكس الحكم ) لكن في المحيط : حلف لا يخرج فرقى شجرة فصار بحال لو يسقط سقط في الطريق لم يحنث لأن الشجرة كبناء الدار ( وهذا ) الحكم المذكور ( إذا كان ) الحالف ( واقفا بقدميه في طاق الباب فلو وقف بإحدى رجليه على العتبة وأدخل الأخرى ، فإن استوى الجانبان ، أو كان الجانب الخارج أسفل لم يحنث وإن كان الجانب الداخل أسفل حنث ) زيلعي ( وقيل لا يحنث مطلقا هو الصحيح ) ظهيرية لأن الانفصال التام لا يكون إلا بالقدمين ( ودوام الركوب واللبس والسكنى لإنشاء ) فيحنث بمكث ساعة ( لا دوام الدخول والخروج والتزوج والتطهير ) [ ص: 750 ] والضابط أن ما يمتد فلدوامه حكم الابتداء وإلا فلا ، وهذا لو اليمين حال الدوام . أما قبله فلا ; فلو قال : كلما ركبت فأنت طالق أو فعلي درهم ثم ركب ودام لزمه طلقة ودرهم ، ولو كان راكبا لزمه في كل ساعة يمكنه النزول طلقة ودرهم .

قلت : في عرفنا لا يحنث إلا في ابتداء الفعل في الفصول كلها وإن لم ينو وإليه مال أستاذنا مجتبى .

التالي السابق


( قوله فنقضت ) أي حتى صارت ، خشبا ( قوله لم يحنث ) لأن ذلك أعيد بصنعة جديدة قائمة بالعين ، ومن ذلك إذا حلف لا يجلس على هذا البساط فخيط جانباه وجعل خرجا وجلس عليه لا يحنث لأنه صار يسمى خرجا فإن فتقت الخياطة حتى عاد بساطا فجلس عليه حنث لأن الاسم عاد لا بصنعة جديدة قائمة بالعين لأن الفتق إبطال الصنعة لا صنعة ولو قطع وجعل خرجين ثم فتقه وخاط القطع ، وجعلهما بساطا واحدا لا يحنث ، وإن عاد الاسم لأنه عاد بصنعة جديدة قائمة بالعين ألا ترى أنه بمجرد الفتق لا يعود اسم البساط إلا بعد الخياطة وهذا إذا كان كل واحد من الخرجين لا يسمى بساطا لصغره فلو سمي يحنث وتمامه في الذخيرة ( قوله ثم يراه ) لأنه إنما صار قلما بسبب جديد ذخيرة ( قوله فإذا كسره ) قال الفضلي هذا إذا كسره على وجه يزول عنه اسم القلم فإنه يحتاج إلى الثناء أما إذا كسر رأس القلم بأن لا يحتاج إلى الإصلاح يحنث صيرفية . قال ط : والعرف الآن بخلاف هذا فإنه يقال قلم مكسور ( قوله والواقف على السطح ) [ ص: 748 ] أي سطح الدار المحلوف على عدم دخولها إذا وصل إليه من سطح آخر ، وإنما عد داخلا لأن الدار عبارة عما أحاطت به الدائرة وهذا حاصل في علو الدار وسفلها كما في الفتح ( قوله خلافا للمتأخرين ) هم المعبر عنهم في قول الهداية وقبل في عرفنا يعني عرف العجم لا يحنث فتح ( قوله وعدمه على مقابله ) أي عدم الحنث الذي هو قول المتأخرين على مقابله : أي على سطح لا ساتر له لأنه ليس إلا في هواء الدار فلا يحنث من حيث اللغة ، إلا أن يكون عرف أنه داخل الدار . والحق أن السطح لا شك أنه من الدار لأنه من أجزائها حسا لكن لا يلزم من القيام عليه أن يقال إنه في العرف داخل الدار ما لم يدخل جوفها إذ لا يتعلق لفظ دخل إلا بجوف حتى صح أن يقال لم يدخل الدار ، ولكن صعد السطح من خارج أفاده في الفتح .

وحاصله أن الدخول لا يتحقق في العرف إلا في موضع له ساتر من حيطان أو درابزين أو نحوه قال في النهر : ومقتضى كلام الكمال أنه لو حلف لا يخرج منها فصعد إلى سطحها الذي لا ساتر له أن يحنث والمسطور في غاية البيان أنه لا يحنث مطلقا لأنه ليس بخارج . ا هـ .

قلت : فيه نظر لأنه لا يلزم من عدم تحقق الدخول في صعود السطح أن يحقق الخروج فيه بل يصح أن يقال إن من صعد السطح ليس بداخل ولا خارج لأن حقيقة الدخول الانفصال من الخارج إلى الداخل والخروج عكسه ، ولا شك أن السطح حيث كان من أجزاء الدار لم يكن الصاعد إليه خارجا عنها ، ومقتضى هذا أن يحنث إذا توصل إليه من خارجها لأنه انفصل من خارجها إلى داخلها ، لكن مبنى كلام الكمال على أنه لا يسمى في العرف داخلا فيها ما لم يدخل جوفها والجوف المستور بساتر هذا ما ظهر لي فافهم ( قوله لا يحنث ) لأن الواقف على السطح لا يسمى واقفا عندهم زيلعي وهذا على توفيق الكمال محمول على سطح لا ساتر له لما علمت من أن المتأخرين هم المعبر عنهم في كلام الهداية بقوله : وقيل في عرفنا يعني عرف العجم ، فكان ينبغي للشارح أن يذكر توفيق الكمال بعد قوله وقال ابن الكمال لكن يبقى بعد هذا في كلامه إيهام أن ما نقله عن ابن الكمال قول ثالث خارج عن قولي المتقدمين والمتأخرين مع أنه قول المتأخرين كما سمعت ( قوله وعليه الفتوى ) لأن المفتى به اعتبار العرف فحيث تغير العرف فالفتوى على العرف الحادث فافهم ( قوله وأفاد ) أي قوله والواقف على السطح داخل ( قوله ولو ارتقى شجرة ) أي في الدار والمراد أنه ارتقى إليها من خارج الدار ، وإلا كان داخلا في الدار فيحنث بلا خلاف ح .

( قوله أو حائطا ) أي مختصا بالدار فلو مشتركا بينه وبين الجار لم يحنث كما في الظهيرية بحر فافهم ( قوله لأنه لا يسمى داخلا عرفا ) لما مر من أنه لا يتعلق لفظ دخل إلا بجوف ( قوله لا ينتفع به أهل الدار ) أما لو كان للقناة موضع مكشوف في الدار يستقون منه ، فإذا بلغه حنث لأنه من منافع الدار بمنزلة بئر الماء وإن كان للضوء لم يحنث لأنه ليس من مرافقها ولا يعد داخله داخلا في الدار بحر عن المحيط ملخصا ، وقوله للضوء : أي لضوء القناة كما عبر في الخانية وفي بعض نسخ البحر للوضوء وهو تحريف ( قوله قال ) أي في البحر ( قوله وعم إطلاقه ) أي إطلاق السطح بأن حلف لا يدخل المسجد فدخل سطحه ( قوله لأنه ليس بمسجد ) ظاهره كما قال ط إن المراد مسكن بناه الواقف أما الحادث على سطحه فلا يخرج السطح عن حكم المسجد .

[ ص: 749 ] قلت : لكن في العرف لا يسمى ذلك المسكن مسجدا مطلقا تأمل ( قوله ولو نقبا ) قال في البحر : فإن نقب للدار بابا آخر فدخل يحنث لأنه عقد يمينه على الدخول من باب منسوب للدار وقد وجد . وإن عنى به الباب الأول يدين لأن لفظه يحتمله ولا يصدق في القضاء لأنه خلاف الظاهر حيث أراد بالمطلق المفيد ( قوله إلا إذا عينه بالإشارة ) فإذا دخل من باب آخر لا يحنث لأنه لم يوجد الشرط بحر ( قوله كان خارجا ) أي كان الطاق أو الواقف خارجا عن الباب ( قوله بحيث إلخ ) تصوير للعكس ( قوله انعكس الحكم ) ففي الوجه الأول يحنث وفي عكسه لا ( قوله لكن في المحيط إلخ ) استدراك على ما أفاده قوله انعكس الحكم من أنه إذا وقف على العتبة الخارجة يحنث في حلفه لا يخرج ، فإن مقتضى ما في المحيط أن لا يحنث لكون العتبة من كون الدار اللهم إلا أن يفرق بالعرف فإن من كان على العتبة الخارجة يعد خارجا ومن كان على أغصان الشجرة يعد مستعليا على أغصان الشجرة التي في الدار لا خارجا ط .

قلت : ومر أن الظاهر قول المتأخرين في أنه لا يعد داخلا عرفا بارتقاء الشجرة فكذا لا يعد خارجا في مسألتنا ( قوله لأن الشجرة كبناء الدار ) أي فهي كظلة في الدار على الطريق ( قوله إذا كان الحالف ) أي على عدم الخروج ( قوله لم يحنث ) لأن اعتماد جميع بدنه على رجله التي هي في الجانب الأسفل ( قوله زيلعي ) ومثله في كثير من الكتب بحر ( قوله هو الصحيح ) عزاه في الظهيرية : إلى السرخسي وفي البحر وهو ظاهر لأن الانفصال التام إلخ . وقال في الفتح وفي المحيط : لو أدخل إحدى رجليه لا يحنث وبه أخذ الشيخان الإمامان شمس الأئمة الحلواني والسرخسي ، هذا إذا كان يدخل قائما فلو مستلقيا على ظهره أو بطنه أو جنبه فتدحرج ، حتى صار بعضه داخل الدار ، إن كان الأكثر داخل الدار يصير داخلا وإن كان ساقاه خارجها ( قوله ودوام الركوب واللبس إلخ ) يعني لو حلف لا يركب هذه الدابة ، وهو راكبها أو لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه أو لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها فمكث ساعة حنث ، فلو نزل أو نزع الثوب أو أخذ في النقلة من ساعته لم يحنث .

( قوله فيحنث بمكث ساعة ) لأن هذه الأفاعيل لها دوام بحدوث أمثالها وإلا فدوام الفعل حقيقة مع أنه عرض لا يبقى مستحيل كما في النهر والمراد بالساعة التي تكون دواما هي ما يمكنه فيها النزول ونحوه كما في البحر ، فلو دام على السكنى لعدم إمكان الخروج والنقلة لا يحنث كما يأتي بيانه ( قوله لا دوام الدخول إلخ ) لأن الدخول حقيقة ولغة وعرفا في الانفصال من الخارج إلى الداخل ، ولا دوام لذلك ولذا لو حلف ليدخلها غدا وهو فيها ، فمكث حتى مضى الغد حنث لأنه لم يدخلها فيه إذا لم يخرج ، ولو نوى بالدخول الإقامة فيها لم يحنث وكذا لو حلف لا يخرج وهو خارج لا يحنث ، حتى يدخل ثم يخرج وكذا لا يتزوج وهو متزوج ، ولا يتطهر وهو متطهر فاستدام [ ص: 750 ] النكاح والطهارة لا يحنث فتح ( قوله والضابط أن ما يمتد ) أي ما يصح امتداده كالقعود والقيام ولذا يصح قران المدة به كاليوم والشهر .

( قوله وهذا ) أي الحنث بالمكث ساعة فيما يمتد لو اليمين حال الدوام : أي لو حلف وهو متلبس بالفعل بأن قال إن ركبت فكذا وهو راكب فيحنث بالمكث ، أما لو حلف قبله فلا يحنث بالمكث بل بإنشاء الركوب قال في الفتح : لأن لفظ ركبت إذا لم يكن الحالف راكبا يراد به إنشاء الركوب ، فلا يحنث بالاستمرار ، وإن كان له حكم الابتداء بخلاف حلف الراكب لا أركب فإنه يراد به الأعم من ابتداء الفعل وما في حكمه عرفا . ا هـ . ( قوله في الفصول كلها ) أي يمتد وما لا يمتد سواء كان متلبسا بالفعل ثم حلف أو لم يكن ط ( قوله وإليه مال أستاذنا ) عبارة المجتبى وفيه عن أبي يوسف ما يدل عليه وإليه أشار أستاذنا ا هـ ونقل كلامه في البحر وأقره عليه والظاهر أن عرف زمانه كان كذلك أيضا .




الخدمات العلمية