الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) بيان ماهية الإقالة وعملها فقد اختلف أصحابنا في ماهيتها ، قال أبو حنيفة عليه الرحمة : الإقالة فسخ في حق العاقدين بيع جديد في حق ثالث سواء كان قبل القبض أو بعده .

                                                                                                                                وروي عن أبي حنيفة رحمه الله أنها فسخ قبل القبض بيع بعده ، وقال أبو يوسف : إنها بيع جديد في حق العاقدين وغيرهما إلا أن لا يمكن أن تجعل بيعا فتجعل فسخا ، وقال محمد : إنها فسخ إلا أن لا يمكن أن تجعل فسخا فتجعل بيعا للضرورة وقال زفر : إنها فسخ في حق الناس كافة ( وجه ) قول زفر إن الإقالة في اللغة عبارة عن الرفع يقال في الدعاء : اللهم أقلني عثراتي أي ارفعها ، وفي الحديث { من أقال نادما أقال الله عثرته يوم القيامة } وعن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : { أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا في حد } ، والأصل أن معنى التصرف شرعا ما ينبئ عنه اللفظ لغة ، ورفع العقد فسخه ، ولأن البيع والإقالة اختلفا اسما فيختلفان حكما ، هذا هو الأصل فإذا كانت رفعا لا تكون بيعا ; لأن البيع إثبات والرفع نفي وبينهما تناف فكانت الإقالة على هذا التقدير فسخا محضا فتظهر في حق كافة الناس .

                                                                                                                                ( وجه ) قول محمد أن الأصل فيها الفسخ ، كما قال زفر : إلا أنه إذا لم يمكن أن تجعل فسخا فتجعل بيعا ضرورة ( وجه ) قول أبي يوسف أن معنى البيع هو مبادلة المال بالمال وهو أخذ بدل وإعطاء بدل وقد وجد فكانت الإقالة بيعا لوجود معنى البيع فيها ، والعبرة للمعنى لا للصورة ، ولهذا أعطي حكم البيع في كثير من الأحكام على ما نذكر ، وكذا اعتبر بيعا في حق الثالث عند أبي حنيفة ( وجه ) قول أبي حنيفة رحمه الله في تقرير معنى الفسخ ما ذكرناه لزفر أنه رفع لغة وشرعا ، ورفع الشيء فسخه .

                                                                                                                                وأما تقرير معنى البيع فيه فما ذكرنا لأبي يوسف أن كل واحد يأخذ رأس ماله ببدل وهذا معنى البيع إلا أنه لا يمكن إظهار معنى البيع في الفسخ في حق العاقدين للتنافي فأظهرناه في حق الثالث فجعل فسخا في حقهما بيعا في حق ثالث وهذا ليس بممتنع ، ألا ترى أنه لا يمتنع أن يجعل الفعل الواحد من شخص واحد طاعة من وجه ومعصية من وجه ؟ فمن شخصين أولى ، والدليل عليه أنها لا تصح من غير تسمية ، ولا صحة للبيع من غير تسمية الثمن .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية