الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ويتصل بالشروط المفسدة ما إذا باع حيوانا واستثنى ما في بطنه من الحمل : إن البيع فاسد ; لأن بيع الحمل بانفراده لا يجوز ; فكان استثناؤه بمنزلة شرط فاسد أدخل في البيع فوجب فساد البيع ، وكذلك هذا في عقد الإجارة والكتابة والرهن ، بخلاف النكاح والخلع ، والصلح عن دم العمد ، والهبة ، والصدقة ; لأن استثناء الحمل في هذه العقود لا يبطلها ، وكذلك في الإعتاق ; لما أن استثناء ما في البطن بمنزلة شرط فاسد ، والبيع وأخواته تبطلها الشروط الفاسدة ; فكان الشرط فاسدا ، والعقد فاسدا فأما النكاح ونحوه فلا تبطله الشروط الفاسدة فجاز العقد وبطل الشرط ; فيدخل في العقد الأم والولد جميعا ، وكذا في العتق ، وكذا إذا باع حيوانا واستثنى شيئا من أطرافه ; فالبيع فاسد .

                                                                                                                                ولو باع صبرة واستثنى قفيزا منها ; فالبيع جائز في المستثنى منه ، وكذا إذا باع صبرة واستثنى جزءا شائعا منها : ثلثها ، أو ربعها ، أو نحو ذلك ، ولو باع قطيعا من الغنم واستثنى شاة منها بغير عينها ; فالبيع فاسد ، ولو استثنى شاة منها بعينها ; فالبيع جائز ، والأصل في هذا أن من باع جملة واستثنى منها شيئا فإن استثنى ما يجوز إفراده بالبيع ; فالبيع في المستثنى منه جائز ، وإن استثنى ما لا يجوز إفراده بالبيع ; فالبيع في المستثنى منه فاسد .

                                                                                                                                ولو باع الثمرة على رءوس النخل واستثنى منها صاعا ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه يجوز ; لأنه استثنى ما يجوز إفراده بالبيع فأشبه ما إذا باع جزءا مشاعا منه من الثلث والربع ، وكذا لو كان الثمر مجذوذا فباع الكل واستثنى صاعا يجوز ، وأي فرق بين المجذوذ وغير المجذوذ ؟ وذكر الطحاوي في مختصره أنه لا يجوز ، وإليه أشار محمد في الموطإ ، فإنه قال : لا بأس بأن يبيع الرجل ثمرة ويستثني منها بعضها إذا استثنى شيئا في جملته ربعا ، أو خمسا ، أو سدسا قيد الجواز بشرط أن يكون المستثنى مشاعا في الجملة ، فلو ثبت الجواز في المعين لم يكن لتقييده بهذا الشرط معنى ، وكذا روى الحسن بن زياد أنه قال : لا يجوز ، وكذا ذكر القدوري رحمه الله في مختصره ثم فساد العقد بما ذكرنا من الشروط مذهب أصحابنا ، وقال ابن أبي ليلى : البيع جائز ، والشرط باطل .

                                                                                                                                وقال ابن شبرمة : البيع جائز والشرط جائز ، والصحيح قولنا ; لما روى أبو حنيفة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع وشرط } والنهي يقتضي فساد المنهي فيدل على فساد كل بيع وشرط إلا ما خص عن عموم النص ; ولأن هذه الشروط بعضها فيه منفعة زائدة ترجع إلى العاقدين ، أو إلى غيرهما ، وزيادة منفعة مشروطة في عقد البيع تكون ربا والربا حرام ، والبيع الذي فيه ربا فاسد وبعضها فيه غرر { ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 176 ] عن بيع فيه غرر } والمنهي عنه فاسد ، وبعضها شرط التلهي وأنه محظور ، وبعضها يغير مقتضى العقد وهو معنى الفساد ، إذ الفساد هو التغيير والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية