الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                فإن كان قبض الكل ثم وجد به عيبا فإن كان المبيع شيئا واحدا حقيقة وتقديرا فكذلك الجواب أن المشتري إن شاء رضي بالكل بكل الثمن وإن شاء رد الكل واسترد جميع الثمن ، وليس له أن يرد قدر المعيب خاصة بحصته من الثمن لما ذكرنا أن فيه إلزام عيب الشركة وأنها عيب حادث مانع من الرد وإن كان أشياء حقيقة ; شيئا واحدا تقديرا - فكذلك ; لأن إفراد أحدهما بالرد إضرار بالبائع إذ لا يمكن الانتفاع بأحدهما فيما وضع له بدون الآخر فكانا فيما وضعا له من المنفعة كشيء واحد فكان المبيع شيئا [ ص: 288 ] واحدا من حيث المعنى فبالرد تثبت الشركة من حيث المعنى ، والشركة في الأعيان عيب وإذا كان لا يمكن الانتفاع بأحدهما بدون صاحبه فيما وضع له كان التفريق فيعود المبيع إلى البائع بعيب زائد حادث لم يكن عنده ، وإن كان أشياء حقيقة وتقديرا فليس له أن يرد الكل إلا عند التراضي وله أن يرد المعيب خاصة بحصته من الثمن عند أصحابنا الثلاثة ، وعند زفر والشافعي رحمهما الله ليس له ذلك بل يردهما أو يمسكهما .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما أن في التفريق بينهما في الرد إضرارا بالبائع لما ذكرنا أن ضم الرديء إلى الجيد في البيع من عادة التجار ليروج الرديء بواسطة الجيد ، وقد يكون العيب بالرديء فيرده على البائع ويلزمه البيع في الجيد بثمن الرديء ، وهذا إضرار بالبائع ولهذا امتنع الرد قبل القبض فكذا هذا .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن ما ثبت له حق الرد وجد في أحدهما فكان له أن يرد أحدهما ; وهذا لأن حق الرد إنما يثبت لفوات السلامة المشروطة في العقد دلالة ; والثابتة مقتضى العقد على ما بينا ، والسلامة فاتت في أحدهما فكان له رده خاصة فلو امتنع الرد إنما يمتنع لتضمنه تفريق الصفقة ، وتفريق الصفقة باطل قبل التمام لا بعده والصفقة قد تمت بقبضهما فزال المانع .

                                                                                                                                ( وأما ) قولهما : يتضرر البائع برد الرديء خاصة ، فنعم لكن هذا ضرر مرضي به من جهته ; لأن إقدامه على بيع المعيب وتدليس العيب مع علمه أن الظاهر من حال المشتري أنه لا يرضى بالعيب - دلالة الرضا بالرد ، بخلاف ما قبل القبض ; لأنه لا تمام للعقد قبل القبض فلا يكون قبل القبض دلالة الرضا بالرد فكان الرد ضررا غير مرضي به فيجب دفعه وهذا بخلاف خيار الشرط وخيار الرؤية أن المشتري لا يملك رد البعض دون البعض سواء قبض الكل أو لم يقبض شيئا أو قبض البعض دون البعض ، وسواء كان المعقود عليه شيئا واحدا أو أشياء ; لأن خيار الشرط والرؤية يمنع تمام الصفقة بدليل أنه يرده بغير قضاء ولا رضا ، سواء كان قبل القبض أو بعده .

                                                                                                                                ولو تمت الصفقة لما احتمل الرد إلا بقضاء القاضي أو التراضي دل أن هذا الخيار يمنع تمام الصفقة ، ولا يجوز تفريق الصفقة قبل التمام ، وههنا بخلافه ولو قال المشتري : أنا أمسك المعيب وآخذ النقصان ليس له ذلك ; لأن قوله : أمسك المعيب - دلالة الرضا بالمعيب وأنه يمنع الرجوع بالنقصان وكذلك لو كان المبيع أشياء فوجد بالكل عيبا فأراد رد البعض دون البعض أن المردود إن كان مما لو كان العيب به وحده لكان له رده وحده كالعبدين والثوبين - فله ذلك ; لأنه إذا أمسك البعض فقد رضي بعينه فبطل حق الرد فيه ; لأنه تبين أن صفة السلامة لم تكن مشروطة ولا مستحقة بالعقد فيه فصار كأنه كان صحيحا في الأصل ووجد بالآخر عيبا فيرده وإن كان المردود مما لو كان العيب به وحده لكان لا يرده كالخفين والنعلين ونحوهما ليس له ذلك لما ذكرنا أن التفريق بينهما تعييب .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية