الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فإن تعين ) له واحد بأن لم يصلح غيره ( لزمه ) ( طلبه ) ولو بمال قدر عليه فاضلا عما يعتبر في الفطرة فيما يظهر ، وسواء في ذلك أخاف الميل أم لا ، علم أن الإمام عالم به ولم يطلبه منه أم لا ، بل عليه الطلب والقبول والتحرز ما أمكنه ، فإن امتنع أجبره الإمام ، وليس مفسقا لأنه غالبا إنما يكون بتأويل ، والأقرب وجوب الطلب وإن ظن عدم الإجابة خلافا للأذرعي أخذا من قولهم يجب الأمر بالمعروف وإن علم عدم امتثالهم له ( وإلا ) بأن لم يتعين عليه ( فإن كان غيره أصلح ) ندب للأصلح طلبه وقبوله حيث وثق بنفسه ( وكان ) الأصلح ( يتولاه ) أي يقبله إذا وليه ( فللمفضول القبول ) إذا بذل له بلا طلب وتنعقد توليته كالإمامة العظمى ( وقيل لا ) يجوز له القبول فلا تنعقد توليته وتحرم لخبر البيهقي والحاكم { من استعمل عاملا على المسلمين وهو يعلم أن غيره أفضل منه } وفي رواية { رجلا على عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله [ ص: 237 ] ورسوله والمؤمنين } وخرج بقوله يتولاه غيره فكالعدم ولا يجبر الفاضل هنا .

                                                                                                                            ومحل الخلاف حيث لم يتميز المفضول بكونه أطوع للناس أو أقرب للقبول أو أقوى في القيام في الحق أو ألزم لمجلس الحكم وإلا جاز له القبول من غير كراهة وانعقدت ولايته قطعا ( و ) على الأول ( يكره طلبه ) لوجود من هو أولى منه ( وقيل يحرم وإن كان ) غيره ( مثله ) وسئل بلا طلب ( فله القبول ) من غير كراهة ولا يلزمه لأنه قد يقوم به غيره ، نعم يندب له كما قاله البلقيني لأنه من أهله وقد أتاه بلا سؤال فيعان عليه ولو خاف على نفسه لزمه الامتناع كما في الذخائر ورجحه الزركشي ( ويندب ) له ( الطلب ) للقضاء والقبول حيث أمن على نفسه منه كما لا يخفى ( إن كان خاملا ) أي غير مشهور بين الناس بعلم ( يرجو به نشر العلم ) ونفع الناس به ( أو ) كان غير الخامل ( محتاجا إلى الرزق ) من بيت المال على الولاية ، وكذا لو ضاعت حقوق الناس بتولية ظالم أو جاهل فقصد بطلبه أو قبوله تداركها ( وإلا ) بأن لم يوجد أحد هذه الأسباب الثلاثة ( فالأولى تركه ) أي الطلب كالقبول لما فيه من الخطر من غير حاجة ، وهذا هو الحامل لأكثر السلف الصالح على الامتناع منه ( قلت : ويكره ) له الطلب والقبول ( على الصحيح ، والله أعلم ) لورود نهي مخصوص فيه ، وعليه حملت الأخبار المحذرة منه كالخبر الحسن { من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين } كناية عن شدة خطره ، ويحرم الطلب على جاهل وعالم قصد انتقاما أو ارتشاء ، ويتجه حرمة طلبه مباهاة واستعلاء بقصد هذين .

                                                                                                                            ومحل ما تقرر عند فقد قاض متول ، أو كان المتولي جائرا ، فلو كان ثم متول صالح حرم على كل أحد السعي في عزله ولو بأفضل منه ويفسق الطالب ، ولا يؤثر ممن تعين عليه أو ندب له بذله مالا على ذلك لكن الآخذ ظالم ، فلو لم يتعين ولم يندب حرم عليه بذله ابتداء لا دواما لئلا يعزل ، وفي الروضة جواز بذله ليولى أيضا ، ودعوى أنه سبق قلم مردودة ، إذ ذاك بالنسبة لعزوه ما ذكر للروياني [ ص: 238 ] لا بالنسبة للحكم .

                                                                                                                            ويندب عزله لغير صالح وينفذ العزل وإن حرم على العازل ، والتولية وإن حرم الطلب والقبول مطلقا خشية الفتنة ( والاعتبار في التعين ) السابق ( وعدمه بالناحية ) ويتجه ضبطها بوطنه ودون مسافة العدوى منه بناء على أنه يجب في مسافة كل عدوى نصب قاض فيجرى في التعيين ، وغير ما مر من أحكام التعيين وعدمه في الطلب والقبول في وطنه ودون مسافة العدوى منه دون الزائد لأنه تعذيب لما فيه من هجر الوطن بالكلية ، إذ عمل القضاء لا نهاية له ، بخلاف باقي فروض الكفايات المحوجة إلى السفر كالجهاد وتعلم العلم ، فلو كان ببلد صالحان وولي أحدهما لم يجب على الآخر ذلك في بلد آخر ليس به صالح خلافا لبعض المتأخرين .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فاضلا عما يعتبر في الفطرة ) ظاهره وإن كثر المال ، ولعل الفرق بين هذا وبين المواضع التي صرحوا فيها بسقوط الوجوب حيث طلب منه مال وإن قل أن القضاء يترتب عليه مصلحة عامة للمسلمين فوجب بذله للقيام بتلك المصلحة ولا كذلك غيره ( قوله : وليس مفسقا ) أي الامتناع ( قوله فللمفضول القبول ) ظاهره مع انتفاء الكراهة ، والقياس ثبوتها لجريان الخلاف في جواز القبول ، وقد يقتضي قوله الآتي وله القبول مع كراهة ثبوتها فيما نحن فيه ( قوله : من استعمل عاملا من المسلمين ) دخل فيه كل من تولى أمرا من أمور المسلمين وإن لم يكن ذلك شرعيا [ ص: 237 ] كنصب مشايخ الأسواق والبلدان ونحوهما ( قوله ومحل الخلاف إلخ ) أي لقبول الخصم ما يقضي عليه أو له ، وهو قريب من الأطوع لأن معنى الأطوع أكثر طاعة بأن تكون طاعة الناس له أكثر من طاعتهم لغيره ( قوله : محتاجا إلى الرزق ) هو بالفتح المصدر وبالكسر اسم لما ينتفع به انتهى مختار كما قاله الأزهري ( قوله : وكذا لو ضاعت حقوق الناس ) صريح في أن القبول حينئذ مندوب ، ولو قيل بوجوبه لم يبعد ( قوله : بأن لم يوجد أحد هذه الأسباب الثلاثة ) هي قوله إن كان حاملا إلخ وقوله أو محتاجا إلخ وقوله وكذا لو ضاعت إلخ ( قوله : ويحرم الطلب على جاهل ) أي مطلقا ( قوله : ولا يؤثر ) أي في صحة توليه ( قوله : إذ ذاك بالنسبة لعزوه ما ذكر للروياني ) [ ص: 238 ] يعني أن يكون سبق قلم حيث نسبه للروياني فإن الروياني لم يقله ولكنه صحيح في نفسه ، هذا هو مراده ولكنه يشكل على قوله قبل فلو لم يتعين ولم يندب حرم بذله ابتداء ، فإن بذله لأجل أن يتولى يصدق عليه أنه إذا بذل ابتداء ( قوله : لم يجب على الآخر ذلك ) أي لما فيه من مفارقة الوطن .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وليس مفسقا ) لعل المراد أنه لا يحكم بفسقه وإلا فالتعليل لا يساعد ظاهر العبارة ( قوله : ندب للأصلح ) لا يخفى أنه حيث أتى بهذا الجواب لا بد من ذكر شرط يكون ما سيأتي في المتن جوابا له ، وقد ذكره ابن حجر بقوله فإن سكت قبيل قول [ ص: 237 ] المصنف وكان إلخ ولم يذكر لفظ الأصلح الذي ذكره الشارح بعده ( قوله أطوع للناس ) عبارة التحفة : أطوع في الناس ( قوله : أو أقرب للقبول ) عبارة التحفة : أو أقرب إلى القلوب ( قول المتن ويكره طلبه ) لعل محله إذا انتفت عنه الصفات المذكورة في الشرح قبيله ( قوله : نعم يندب له إلخ ) قال ابن قاسم : هو مناف لقوله الآتي وإلا بأن لم يوجد أحد هذه الأسباب الثلاثة إلخ ، قال : فإن قيل هذا محمول على ما إذا وجد أحد هذه الأسباب قلنا : فلا معنى لنقله عن البلقيني وإن كان مقيدا بالطلب لم يخالفه فليحرر ا هـ ( قوله : أي الطلب كالقبول ) قال ابن قاسم أيضا : إن كان كون القبول خلاف الأولى أو مكروها لا فرق فيه بين أن يكون هناك طلب منه أو لا خلاف ما مر عن البلقيني ، وإن كان مقيدا بالطلب لم يخالفه فليحرر ا هـ ( قوله : بقصد هذين ) لا حاجة إليه مع قوله مباهاة واستعلاء ، وعبارة التحفة : ويكره أن يطلبه للمباهاة والاستعلاء كذا قيل ، والأوجه أنه حرام بقصد هذه أيضا انتهت ( قوله ولا يؤثر ممن تعين عليه أو ندب له بذله مالا ) أي بل يجب عليه ذلك كما مر ( قوله إذ ذاك بالنسبة لعزوه إلخ ) يقال عليه فحينئذ الدعوى غير مردودة [ ص: 238 ] قوله : لا بالنسبة للحكم ) يناقض قوله قبله حرم عليه بذله ابتداء ( قوله : وينفذ العزل وإن حرم على العازل إلخ ) كلام مستأنف ( قوله : مطلقا ) لعله متعلق بينفذ




                                                                                                                            الخدمات العلمية