الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              مسألة المخاطبة شفاها لا يمكن دعوى العموم فيها بالإضافة إلى جميع الحاضرين ، فإذا قال لجميع نسائه الحاضرات : " طلقتكن " ولجميع عبيده " أعتقتكم " فإنما يكون مخاطبا من جملتهم من أقبل عليه بوجهه وقصد خطابه ، وذلك يعرف بصورته ، وشمائله ، والتفاته ، ونظره ، فقد يحضره جماعة من الغلمان من البالغين ، والصبيان فيقول " اركبوا معي " ويريد به أهل الركوب منهم دون من ليس أهلا له ، فلا يتناول خطابه إلا من قصده ، ولا يعرف قصده إلا بلفظه أو شمائله الظاهرة فلا يمكن دعوى العموم فيها ، فنقول على هذا كل حكم يدل بصيغة المخاطبة كقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا } ، و { يا أيها الناس } فهو خطاب مع الموجودين في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإثباته في حق من يحدث بعده بدليل زائد دال على أن كل حكم ثبت في زمانه فهو دائم إلى يوم القيامة على كل مكلف ، ولولاه لم يقتض مجرد اللفظ ذلك ، ولما ثبت ذلك أفاد مثل هذه الألفاظ فائدة العموم لاقتران الدليل الآخر بها لا بمجرد الخطاب فإن قيل : فإذا كان الخطاب خاصا مع شخص مشافهة أو مع جمع فهل يدل على العموم مثل قوله تعالى : { وما أرسلناك إلا كافة للناس } وقوله : عليه السلام : { بعثت إلى الناس كافة ، وبعثت إلى الأحمر ، والأسود } وقوله : { حكمي على الواحد حكمي على الجماعة } .

              وقوله تعالى : { واتقون يا أولي الألباب } ، و { يا أيها الناس } ، وأمثاله ؟ قلنا : لا ، بل عرف الصحابة عموم الحكم الثابت في عصره للأعصار وكلها بقرائن كثيرة ، وعرفنا ذلك من الصحابة ضرورة ، ومجرد هذه الألفاظ ليست قاطعة فإنه ، وإن كان مبعوثا إلى الكافة فلا يلزم تساويهم في الأحكام ، فهو مبعوث إلى الحر ، والعبد ، والحائض ، والطاهر ، والمريض ، والصحيح ليعرفهم أحكامهم المختلفة وكذلك قوله تعالى : { لأنذركم به ومن بلغ } أي : ينذر كل قوم بل كل شخص بحكمه فيكون شرعه عاما وقوله : حكمي على الواحد حكمي على الجماعة لا يتناول إلا عصره ، فإن الجماعة عبارة عن الموجودين فلا يتناول من بعده . فإن قيل فهل يدل على عموم الحكم أنه كان إذا أراد التخصيص خصص وقال { تجزئ عنك ، ولا تجزئ عن أحد بعدك } ، وحلل الحرير لعبد الرحمن بن عوف خاصة ؟ قلنا : لا ، لأنه ذكره حيث قدم عموما أو حيث توهم أنهم يلحقون غيره به للتعبد بالقياس وكذلك قوله تعالى : { خالصة لك من دون المؤمنين } لا يدل على أن الخطاب معه خطاب مع الأمة لمثل ما ذكرناه .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية