الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              مسألة صرف العموم إلى غير الاستغراق

              جائز ، وهو معتاد ، أما رده إلى ما دون أقل الجمع فغير جائز ، ولا بد من بيان أقل الجمع وقد اختلفوا فيه ، فقال عمر ، وزيد بن ثابت إنه اثنان ، وبه قال مالك وجماعة وقال ابن عباس ، والشافعي ، وأبو حنيفة ثلاثة حتى قال ابن عباس لعثمان حين رد الأم من الثلث إلى السدس بأخوين : ليس الأخوان إخوة في لغة قومك ، فقال : حجبها قومك يا غلام وقال ابن مسعود إذا اقتدى بالإمام ثلاثة اصطفوا خلفه ، وإذا اقتدى اثنان وقف كل واحد عن جانب . ، وهذا يشعر من مذهبه بأنه يرى أقل الجمع ثلاثة ، وليس من حقيقة هذا الخلاف منع جمع الاثنين بلفظ يعمهما فإن ذلك جائز ، ومعتاد ، لكن الخلاف في أن لفظ الناس ، والرجال ، والفقراء ، وأمثاله يطلق على ثلاثة فما زاد حقيقة ، [ ص: 244 ] وهل يطلق على الاثنين حقيقة أم لا ؟ واختار القاضي أن أقل الجمع اثنان واستدل بإجماع أهل اللغة على جواز إطلاق اسم الجمع على اثنين في قولهم " فعلتم ، وفعلنا ، وتفعلون " وقد ورد به القرآن ، قال الله تعالى في قصة موسى ، وهارون { إنا معكم مستمعون } وقال { عسى الله أن يأتيني بهم جميعا } ، وهما يوسف ، وأخوه وقال { فقد صغت قلوبكما } ، ولهما قلبان وقال { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث } إلى قوله : { وكنا لحكمهم شاهدين } ، وهما اثنان وقال { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } ، وهما طائفتان وقال { وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب } ، وهما ملكان .

              فإن قيل عن كل واحد من هذا جواب فقوله : { إنا معكم مستمعون } يعني : هارون ، وموسى ، وفرعون وقومه ، وهم جماعة وقوله : { قلوبكما } لضرورة استثقال الجمع بين تثنيتين مع أن القلوب على وزن الواحد في بعض الألفاظ وقوله : { عسى الله أن يأتيني بهم جميعا } أراد به يوسف ، وأخاه ، والأخ الأكبر الذي تخلف عن الإخوة ، وقوله تعالى : { وكنا لحكمهم شاهدين } أي : حكمهما مع الجمع المحكوم عليهم ، وقوله : { وإن طائفتان } كل طائفة جمع قلنا : هذه تعسفات ، وتكلفات ، إنما يحوج إليها ضرورة نقل من أهل اللغة في استحالة إطلاق اسم الجمع على الاثنين ، وإذا لم يكن نقل صريح فيحمل خلافهم على الحقيقة كما ورد فإن قيل : ههنا أدلة أربعة .

              الأول : أن الاثنين لو كانا جمعا لكان قولنا فعلا اسم جمع فليجز إطلاقه على الثلاثة فصاعدا كقوله " فعلوا " فإنه لما كان اسم جمع جاز على الثلاثة فما فوقها .

              قلنا : " فعلوا " اسم جمع مشترك بين سائر أعداد الجمع ، و " فعلا " اسم جمع خاص لأن الجمع لا يستدعي إلا الانضمام ، وذلك يحصل في الاثنين ، وهو كالعشرة فإنه اسم جمع لكن جمع خاص فلا يصلح لغيره ، وكيف ينكر كون الاثنين جمعا ، ويقول الرجلان : نحن فعلنا ؟ فإن قيل قد يقول الواحد ذلك ، كقوله : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } قلنا : ذلك مجاز بالاتفاق ، وهذا ليس بمجاز

              الثاني : قولهم أجمع أهل اللغة على أن الأسماء ثلاثة أضرب : توحيد ، وتثنية وجمع ، وهو رجل ، ورجلان ، ورجال فلتكن هذه الثلاثة متباينة .

              قلنا : ما قالوا الرجلان ليس اسم جمع لكن وضعوا لبعض أعداد الجمع اسما خاصا كالعشرة وجعلوا اسم الرجال مشتركا .

              الثالث : قولهم : فرق في اللسان بين الرجال ، والرجلين ، وما ذكرتموه رفع للفرق . قلنا : الفرق أن الرجلين اسم جمع خاص ، وهو للاثنين ، والرجال اسم جمع مشترك لكل جمع من الاثنين ، والثلاثة فما زاد .

              الرابع : قولهم : لو صح هذا لجاز أن يقال : رأيت اثنين رجال كما يقال رأيت ثلاثة رجال قلنا : هذا ممتنع لأن العرب لم تستعمله على هذا الوجه ، ولا يمكن تعدي عرفهم ، وعلى الجملة فمن يرد لفظ الجمع إلى الاثنين ربما يفتقر إلى دليل أظهر ممن يرده إلى الثلاثة ، وإذا رده إلى الواحد فقد غير اللفظ النص بقرينة .

              فإن قيل فقد يقول لامرأته أتخرجين ، وتكلمين الرجال ، وربما يريد رجلا واحدا . قلنا : ذلك استعمال لفظ الجمع بدلا [ ص: 245 ] عن لفظ الواحد لتعلق غرض الزوج لجنس الرجال لا أنه عنى بلفظ الرجال رجلا واحدا ، أما إذا أراد رجلين أو ثلاثة فقد ترك اللفظ على حقيقته .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية