الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              مسألة : إذا قدرنا انتفاء القرائن فأقل عدد يحصل به العلم الضروري معلوم لله تعالى وليس معلوما لنا ولا سبيل لنا إلى معرفته ، فإنا لا ندري متى حصل علمنا بوجود مكة ووجود الشافعي ووجود الأنبياء عليهم السلام عند تواتر الخبر إلينا وأنه كان بعد خبر المائة والمائتين ويعسر علينا تجربة ذلك وإن تكلفناها .

              وسبيل التكلف أن نراقب أنفسنا إذا قتل [ ص: 110 ] رجل في السوق مثلا وانصرف جماعة عن موضع القتل ودخلوا علينا يخبروننا عن قتله ، فإن قول الأول يحرك الظن وقول الثاني والثالث يؤكده ، ولا يزال يتزايد تأكيده إلى أن يصير ضروريا لا يمكننا أن نشكك فيه أنفسنا .

              فلو تصور الوقوف على اللحظة التي يحصل العلم فيها ضرورة وحفظ حساب المخبرين وعددهم لأمكن الوقوف ، ولكن درك تلك اللحظة عسير ، فإنه تتزايد قوة الاعتقاد تزايدا خفي التدريج نحو تزايد عقل الصبي المميز إلى أن يبلغ حد التكليف ونحو تزايد ضوء الصبح إلى أن ينتهي إلى حد الكمال ، فلذلك بقي هذا في غطاء من الإشكال وتعذر على القوة البشرية إدراكه .

              فأما ما ذهب إليه قوم من التخصيص بالأربعين أخذا من الجمعة وقوم إلى التخصيص بالسبعين أخذا من قوله تعالى : { واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا } وقوم إلى التخصيص بعدد أهل بدر فكل ذلك تحكمات فاسدة باردة لا تناسب الغرض ولا تدل عليه ، ويكفي تعارض أقوالهم دليلا على فسادها . فإذا لا سبيل لنا إلى حصر عدده ، لكنا بالعلم الضروري نستدل على أن العدد الذي هو الكامل عند الله تعالى قد توافقوا على الإخبار . فإن قيل : فكيف علمتم حصول العلم بالتواتر وأنتم لا تعلمون أقل عدده ؟ قلنا : كما نعلم أن الخبز يشبع والماء يروي والخمر يسكر ، وإن كنا لا نعلم أقل مقدار منه ، ونعلم أن القرائن تفيد العلم وإن لم نقدر على حصر أجناسها وضبط أقل درجاتها .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية