الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              مسألة التأويل ، وإن كان محتملا فقد تجتمع قرائن تدل على فساده ،

              وآحاد تلك القرائن لا تدفعه ، لكن يخرج بمجموعها عن أن يكون منقدحا غالبا ، مثاله قوله : عليه السلام " لغيلان حين أسلم على عشر نسوة : { أمسك أربعا وفارق سائرهن } وقوله : عليه السلام لفيروز الديلمي حين أسلم على أختين : { أمسك إحداهما وفارق الأخرى } ، فإن ظاهر هذا يدل على دوام النكاح . فقال أبو حنيفة : أراد به ابتداء النكاح ، أي : أمسك أربعا فانكحهن وفارق سائرهن ، أي : انقطع عنهن ولا تنكحهن . ولا شك في أن ظاهر لفظ الإمساك الاستصحاب والاستدامة .

              وما ذكره أيضا محتمل ويعتضد احتماله بالقياس ، إلا أن جملة من القرائن عضدت الظاهر وجعلته أقوى في النفس من التأويل .

              أولها : أنا نعلم أن الحاضرين من الصحابة لم يسبق إلى أفهامهم من هذه الكلمة إلا الاستدامة في النكاح ، وهو السابق إلى أفهامنا ; فإنا لو سمعناه في زماننا لكان هو السابق إلى أفهامنا

              الثاني : أنه قابل لفظ الإمساك بلفظ المفارقة وفوضه إلى اختياره ، فليكن الإمساك والمفارقة إليه ، وعندهم الفراق واقع والنكاح لا يصح إلا برضا المرأة .

              الثالث : أنه لو أراد ابتداء النكاح لذكر شرائطه فإنه كان لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة وما أحوج جديد العهد بالإسلام إلى أن يعرف شروط النكاح

              الرابع : أنه لا يتوقع في اطراد العادة انسلاكهن في ربقة الرضا على حسب مراده ، بل ربما كان يمتنع جميعهن فكيف أطلق الأمر مع هذا الإمكان ؟

              الخامس : أن قوله : " أمسك " أمر ظاهره الإيجاب ، فكيف أوجب عليه ما لم يجب ؟ ولعله أراد أن لا ينكح أصلا .

              السادس : أنه ربما أراد أن لا ينكحهن بعد أن قضى منهن وطرا ، فكيف حصره فيهن ؟ بل كان ينبغي أن يقول : انكح أربعا ممن شئت من نساء العالم من الأجنبيات فإنهن عندكم كسائر نساء العالم .

              فهذا وأمثاله من القرائن ينبغي أن يلتفت إليها في تقرير التأويل ورده وآحادها لا يبطل الاحتمال لكن المجموع يشكك في صحة القياس المخالف للظاهر ويصير اتباع الظاهر بسببها أقوى في النفس من اتباع القياس ، والإنصاف أن ذلك يختلف بتنوع أحوال المجتهدين ، وإلا فلسنا نقطع ببطلان تأويل أبي حنيفة مع هذه القرائن ، وإنما المقصود تذليل الطريق للمجتهدين [ ص: 198 ]

              مسألة : من تأويلاتهم في هذه المسألة

              أن الواقعة ربما وقعت في ابتداء الإسلام قبل الحصر في عدد النساء فكان على وفق الشرع ، وإنما الباطل من أنكحة الكفار ما يخالف الشرع ; كما لو جمع في صفقة واحدة بين عشر بعد نزول الحصر . فنقول : إذا سلم هذا أمكن القياس عليه ; لأن قياسهم يقتضي اندفاع جميع هذه الأنكحة ، كما لو نكح أجنبيتين ثم حدث بينهما أخوة برضاع اندفع النكاح ولم يتخير . ومع هذا فنقول : هذا بناء تأويل على احتمال من غير نقل ولم يثبت عندنا رفع حجر في ابتداء الإسلام ، ويشهد له أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة زيادة على أربعة وهم الناكحون ، ولو كان جائزا لفارقوا عند نزول الحصر ولأوشك أن ينقل ذلك ، وقوله تعالى : { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } أراد به زمان الجاهلية ; هذا ما ورد في التفسير . فإن قيل : فلو صح رفع حجر في الابتداء هل كان هذا الاحتمال مقبولا ؟ قلنا قال بعض أصحابنا الأصوليين : لا يقبل ; لأن الحديث استقل حجة فلا يدفع بمجرد الاحتمال ما لم ينقل وقوع نكاح غيلان قبل نزول الحجر . وهذا ضعيف ; لأن الحديث لا يستقل حجة ما لم ينقل تأخر نكاحه عن نزول الحصر ; لأنه إن تقدم فليس بحجة ، وإن تأخر فهو حجة ، فليس أحد الاحتمالين أولى من الآخر ولا تقوم الحجة باحتمال يعارضه غيره .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية