الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              مسألة إذا اتفق التابعون على أحد قولي الصحابة لم يصر القول الآخر مهجورا ولم يكن الذاهب إليه خارقا للإجماع ، خلافا للكرخي وجماعة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وكثير من القدرية كالجبائي وابنه ; لأنه ليس مخالفا لجميع الأمة ، فإن الذين ماتوا على ذلك المذهب هم من الأمة ، والتابعون في تلك المسألة بعض الأمة ، وإن كانوا كل الأمة . فمذهبهم باختيار أحد القولين لا يحرم القول الآخر .

              فإن صرحوا بتحريم القول الآخر فنحن بين أمرين : إما أن نقول هذا محال وقوعه ; لأنه يؤدي إلى تناقض الإجماعين ، إذ مضت الصحابة [ ص: 156 ] مصرحة بتجويز الخلاف وهؤلاء اتفقوا على تحريم ما سوغوه . وإما أن نقول إن ذلك ممكن ولكنهم بعض الأمة في هذه المسألة ، والمعصية من بعض الأمة جائزة ، وإن كانوا كل الأمة في كل مسألة لم يخض الصحابة فيها ، لكن هذا يخالف قوله صلى الله عليه وسلم : { لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين } إذ يكون الحق قد ضاع في هذا الزمان ، فلعل من يميل إلى هذا المذهب يجعل الحديث من أخبار الآحاد .

              فإن قيل : بم تنكرون على من يقول : هذا إجماع يجب اتباعه ؟ وأما الصحابة فقد اتفقوا على قولين بشرط أن لا يعثر من بعدهم على دليل يعين الحق في أحدهما . قلنا : هذا تحكم واختراع عليهم ، فإنهم لم يشترطوا هذا الشرط والإجماع حجة قاطعة فلا يمكن الشرط في الحجة القاطعة ، إذ يتطرق الاحتمال إليه ويخرج عن كونه قاطعا . ولو جاز هذا لجاز أن يقال : إذا أجمعوا على قول واحد عن اجتهاد فقد اتفقوا بشرط أن لا يعثر من بعدهم على دليل يعين الحق في خلافه ، وقد مضت الصحابة متفقة على تسويغ كل واحد من القولين فلا يجوز خرق إجماعهم .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية