الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد كان سلمان الفارسي من أعلم النصارى بدينهم ، وكان قد تيقن خروج [ ص: 269 ] النبي صلى الله عليه وسلم فقدم المدينة قبل مبعثه ، فلما رآه عرف أنه هو النبي الذي بشر به المسيح فآمن به واتبعه ، ونحن نسوق قصته .

قال ابن إسحاق : حدثني عاصم ، عن محمود ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : حدثني سلمان من فيه ، قال : كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من قرية يقال لها : ( حي ) . وكان أبي دهقان قريته ، وكنت أحب خلق الله إليه لم يزل حبه إياي حتى حبسني في بيت كما يحبس الجارية ، فاجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار التي توقدها لا نتركها ساعة تخبو ، وكانت لأبي ضيعة عظيمة فشغل في بنيان له يوما . فقال : يا بني ، إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب إليها فاطلعها ، وأمرني فيها ببعض ما يريد ، ثم قال لي : ولا تحتبس عني فإنك إن احتبست عني كنت أهم إلي من ضيعتي وشغلتني عن كل شيء من أمري ، فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها ، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون ، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته ، فلما سمعت أصواتهم ، دخلت عليهم أنظر ما يصنعون ، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ، ورغبت في أمرهم ، فقلت : هذا والله خير من الذي نحن عليه ، فوالله ما برحت حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي فلم آتها ، ثم قلت لهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : [ ص: 270 ] بالشام ، فرجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي ، وشغله عن عمله كله ، فلما جئت قال : يا بني أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قلت : يا أبت ، مررت بأناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم ، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس ، فقال : أي بني ! ليس في ذلك الدين خير ، دينك ودين آبائك خير منه ، فقلت له : كلا والله إنه لخير من ديننا ، قال : فخافني ، فجعل في رجلي قيدا ، ثم حبسني في بيته ، وبعثت إلى النصارى فقلت لهم : إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم ، فقدم عليهم تجار من النصارى فأخبروني ، فقلت لهم : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم ، قال : فلما أرادوا الرجعة أخبروني بهم ، فألقيت الحديد من رجلي ، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام .

التالي السابق


الخدمات العلمية