الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل ) : وقول المسيح : إذا انطلقت أرسلته إليكم ، معناه أني أرسله بدعائي وطلبي منه أن يرسله ، كما يطلب الطالب من ولي الأمر أن يرسل رسولا ، أو يولي نائبا ، أو يعطي أحدا ، فيقول : أنا أرسلت هذا ووليته وأعطيته ، أي كنت سببا في ذلك ، فإن الله سبحانه وتعالى إذا قضى بأن يكون الشيء ، فإنه يقدر له أسبابا يكون بها ، ومن تلك الأسباب دعاء بعض عباده بأن يفعل ذلك ، فيكون في ذلك من النعمة إجابة دعائه ، مضافا إلى نعمته بإيجاد ما قضى كونه ، ومحمد صلى الله عليه وسلم قد دعا به الخليل عليه الصلاة والسلام [ ص: 344 ] أبوه ، فقال : ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم .

مع أن الله سبحانه وتعالى قد قضى بإرساله وأعلن باسمه قبل ذلك ، كما قيل له : يا رسول الله ، متى كنت نبيا ؟ قال : وآدم بين الروح والجسد ، وقال : إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته .

وهذا كما قضى الله سبحانه وتعالى بنصره يوم بدر ، ومن أسباب ذلك استعانته بربه ودعاؤه وابتهاله بالنصر ، وكذلك ما يقتضيه من إنزال الغيث قد يجعله بسبب ابتهال عباده ودعائهم وتضرعهم إليه ، وكذلك ما يقضيه من مغفرة ورحمة وهداية ونصر ، قد يسبب له أدعية يحصل بها ممن ينال ذلك ، أو من غيره ، فلا يمتنع أن يكون المسيح سأل ربه بعد صعوده أن يرسل أخاه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى العالم ، ويكون ذلك من أسباب إرساله ، إضافة إلى دعوة أبيه إبراهيم ، لكن إبراهيم سأل ربه أن يرسله في الدنيا ، فلذلك ذكره الله سبحانه وتعالى ، وأما المسيح فإنما سأله بعد رفعه وصعوده إلى السماء كما وعد قبل رفعه .

( فصل ) : وتأمل قول المسيح " إني لست أدعكم أيتاما لأني سآتيكم عن قريب " كيف هو مطابق لقول أخيه محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليهما : ينزل فيكم ابن [ ص: 345 ] مريم حكما عدلا ، وإماما مقسطا ، فيقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ويضع الجزية ، وأوصى أمته بأن يقرئه السلام من لقيه منهم .

وفي حديث آخر : كيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها ؟ ! .

التالي السابق


الخدمات العلمية