الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن أوجبتم له الإلهية بقول حبقوق فيما حكاه عنه : إن الله في الأرض يتزيا ويختلط مع الناس ويمشي معهم .

ويقول أرميا أيضا بعد هذا : الله يظهر في الأرض ويتقلب مع البشر ، قيل لكم : هذا بعد احتياجه إلى ثبوت هذين الشخصين أولا ، وإلى ثبوت هذا النقل عنهما ، وإلى مطابقة الترجمة من غير تحريف - وهذه ثلاث مقامات يعز عليكم إثباتها - لا تدل على أن المسيح هو خالق السماوات والأرض ، وأنه إله حق ليس بمخلوق ولا مصنوع ، ففي التوراة ما هو من هذا الجنس وأبلغ ولم يدل ذلك على أن موسى إله ، ولا أنه خارج عن جملة العبيد لله .

وقوله يتزيا مثل : تجلى الله وظهر واستعلن ونحو ذلك من ألفاظ التوراة وغيرها من الكتب الإلهية .

وقد ذكر في التوراة أن الله تعالى تجلى وتزيا لإبراهيم وغيره من الأنبياء ، ولم يدل ذلك على الإلهية لأحد منهم ، ولم يزل في عرف الناس ومخاطبتهم أن يقولوا : فلان معنا وهو بين أظهرنا ولم يمت ، إذا كان عمله وسنته وسيرته بينهم ووصاياه يعمل بها بينهم .

[ ص: 520 ] وكذلك يقول القائل لمن مات والده : ما مات من خلف مثلك ، وأنا والدك . وإذا رأوا تلميذ العالم يعلم علمه قالوا : هذا فلان باسم أستاذه ، كما كان يقال عن عكرمة : هذا ابن عباس ، وعن أبي حامد : هذا الشافعي .

وإذا بعث الملك نائبا يقوم مقامه في بلد يقول الناس : جاء الملك وحكم ورسم الملك .

وفي الحديث الصحيح الإلهي : يقول الله عز وجل يوم القيامة : عبدي مرضت فلم تعدني ، فيقال : يا رب وكيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ، أما لو عدته لوجدتني عنده ، عبدي جعت فلم تطعمني ، فيقول : يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما إن عبدي فلانا استطعمك فلم تطعمه ، أما لو أطعمته لوجدت ذلك عندي . عبدي استسقيتك فلم تسقني ، فيقول : يا رب وكيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ فيقول : أما إن عبدي [ ص: 521 ] فلانا عطش فاستقاك فلم تسقه ، أما لو سقيته لوجدت ذلك عندي . وأبلغ من هذا قوله تعالى : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ، ومن هذا قوله تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع الله ، فلو استحل المسلمون ما استحللتم لكان استدلالهم بذلك على أن محمدا إله من جنس استدلالكم لا فرق بينهما ! .

التالي السابق


الخدمات العلمية