الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 273 ] ثم مات وغيب ، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ، ثم مر بي نفر من كلب تجار ، فقلت لهم : احملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه ، فقالوا : نعم ، فأعطيتموها ، فحملوني معهم ، حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني ، وباعوني من رجل يهودي فكنت عنده ، فرأيت النخل فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ، ولم يحق في نفسي ، فبينا أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من المدينة فابتاعني منه فحملني إلى المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي ، فأقمت بها ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق .

ثم هاجر إلى المدينة ، فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل ، وسيدي جالس تحتي إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه ، فقال له : يا فلان ، قاتل الله بني قيلة ، والله إنهم الآن مجتمعون على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي .

فلما سمعتهما أخذتني عرواء حتى ظننت أني ساقط على سيدي ، فنزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك : ما تقول ؟ فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة ، ثم قال : ما لك ولهذا ؟ أقبل على عملك ! فقلت : لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال ، وقد كان عندي شيء جمعته ، فلما أمسيت أخذته ، ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه ، فقلت له : إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء [ ص: 274 ] ذوو حاجة ، وهذا شيء كان عندي للصدقة ، فرأيتكم أحق به من غيركم ، فقربته إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : كلوا . وأمسك هو فلم يأكل ، فقلت في نفسي : هذه واحدة ، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا ، وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ثم جئته به ، فقلت : إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر أصحابه فأكلوا معه ، فقلت في نفسي : هاتان ثنتان ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد ، قد تبع جنازة رجل من أصحابه ، وعلي شملتان لي ، وهو جالس في أصحابه ، فسلمت عليه ، ثم استدرت أنظر إلى ظهره ، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي ، فألقى الرداء عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم فعرفته ، فأكببت عليه أقبله وأبكي ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحول . فتحولت فجلست بين يديه ، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس ، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه .

ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد ، قال سلمان : ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وأربعين أوقية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل : الرجل بثلاثين ودية ، والرجل بعشرين ودية ، والرجل بخمسة عشر ، والرجل بعشر ، يعينني الرجل بقدر ما عنده ، حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب يا سلمان فافقر لها فإذا فرغت فائتني أكن أنا أضعها بيدي ففقرت فأعانني أصحابي حتى إذا فرغت جئته فأخبرته ، فخرج معي إليها ، فجعلت أقرب إليه الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده حتى فرغت ، فوالذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة ، فأديت النخل وبقي علي المال ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاج من ذهب من [ ص: 275 ] بعض المعادن ، فقال : ما فعل الفارسي المكاتب ؟ فدعيت له ، فقال : خذ هذه فأدها مما عليك يا سلمان ، فقلت : وأين تقع مما علي يا رسول الله ؟ قال : خذها ، فإن الله سيؤدي بها ما عليك ، فأخذتها فوزنت منها لهم ، فوالله الذي نفسي بيده ، أربعين أوقية وأوفيتهم حقهم ، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ، ثم لم يفتني معه مشهد
.

التالي السابق


الخدمات العلمية