الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي الإنجيل : إن المسيح حين خرج من السامرية ولحق بجلجال قال : لم يكرم أحد من الأنبياء في وطن ، فلم يزد على دعوى النبوة .

[ ص: 495 ] وفي إنجيل لوقا : لم يقبل أحد من الأنبياء في وطنه ، فكيف تقبلونني ، وفي إنجيل مرقس : أن رجلا أقبل إلى المسيح وقال : أيها المعلم الصالح ، أي خير أعمل لأنال الحياة الدائمة ؟ فقال له المسيح : لم قلت صالحا ؟ إنما الصالح الله وحده ، وقد عرفت الشروط ، لا تسرق ولا تزن ولا تشهد بالزور ولا تخن ، وأكرم أباك وأمك .

وفي إنجيل يوحنا : أن اليهود لما أرادوا قبضه رفع بصره إلى السماء ، وقال : قد دنا الوقت يا إلهي فشرفني لديك ، واجعل لي سبيلا أن أملك كل من ملكتني الحياة الدائمة . وإنما الحياة الباقية أن يؤمنوا بك إلها واحدا وبالمسيح الذي بعثت ، وقد عظمتك على أهل الأرض ، واحتملت الذي أمرتني به فشرفني .

فلم يدع سوى أنه عبد مرسل مأمور مبعوث ، وفي إنجيل متى : لا تنسبوا أباكم على الأرض فإن أباكم واحد الذي في السماء وحده ، ولا تدعوا معلمين فإنما معلمكم المسيح وحده .

والآب في لغتهم الرب المربي ، أي لا تقولوا : إلهكم وربكم في الأرض ، ولكنه في السماء ، ثم أنزل نفسه المنزلة التي أنزله بها ربه ومالكه ، وهو أن غايته أنه يعلم في الأرض ، وإلههم هو الذي في السماء .

وفي إنجيل لوقا ، حين دعا الله فأحيا ولد المرأة ، فقالوا : إن هذا النبي لعظيم ، وإن الله قد تفقد أمته .

[ ص: 496 ] وفي إنجيل يوحنا أن المسيح أعلى صوته في البيت ، وقال لليهود : قد عرفتموني وموضعي ، ولم آت من ذاتي ، وقد بعثني الحق وأنتم تجهلونه ، فإن قلت إني أجهله كنت كاذبا مثلكم ، وأنا أعلم أني منه وهو بعثني .

فما زاد في دعواه على ما ادعاه الأنبياء فأمسكت المثلثة قوله : إني منه ، وقالوا : إله حق من إله حق ، وفي القرآن : رسول من الله ، وقال هود : ولكني رسول من رب العالمين ، وكذلك قال صالح ! ولكن أمة الضلال كما أخبر الله عنهم يتبعون المتشابه ويردون المحكم . وفي الإنجيل أيضا أنه قال لليهود ، وقد قالوا له : نحن أبناء الله فقال : لو كان أباكم لأطعتموني لأني رسول منه ، خرجت مقبلا ، ولم أقبل من ذاتي ، ولكن هو بعثني ، ولكنكم لا تقبلون وصيتي ، وتعجزون عن سماع كلامي ، إنما أنتم أبناء الشيطان ، وتريدون إتمام شهواته .

وفي الإنجيل أن اليهود حاطت به ، وقالت له : إلى متى تخفي أمرك إن كنت المسيح الذي ننتظره فأعلمناه بذلك ؟

ولم تقل إن كنت الله أو ابن الله ، فإنه لم يدع ذلك ، ولا فهمه عنه أحد من أعدائه ولا أتباعه .

وفي الإنجيل أيضا : أن اليهود أرادوا القبض عليه فبعثوا الأعوان وأن الأعوان رجعوا إلى قوادهم ، فقالوا لهم : لم لم تأخذوه ؟ فقالوا : ما سمعنا آدميا أنصف منه ، [ ص: 497 ] فقالت اليهود : وأنتم أيضا مخدوعون ، أترون أنه آمن به أحد من القواد ومن رؤساء أهل الكتاب ؟ فقال لهم بعض أكابرهم : أترون كتابكم يحكم على أحد قبل أن يسمع منه ؟ فقالوا له : اكشف الكتب ترى أنه لا يجيء من جلجال نبي . فما قالت اليهود ذلك إلا وقد أنزل نفسه بالمنزلة التي أنزله بها ربه ومالكه أنه نبي ، ولو علمت من دعواه الإلهية لذكرت ذلك له وأنكرته عليه ، وكان أعظم أسباب التنفير عن طاعته ، لأن كذبه كان يعلم بالحس والعقل والفطرة واتفاق الأنبياء .

التالي السابق


الخدمات العلمية