الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وسباع طير ) لم يعلم ربها طهارة منقارها ( وسواكن بيوت ) طاهر للضرورة ( مكروه ) تنزيها في الأصح [ ص: 225 ] إن وجد غيره وإلا لم يكره أصلا كأكله لفقير .

التالي السابق


( قوله لم يعلم ربها طهارة منقارها ) لما روى الحسن عن أبي حنيفة : إن كان هذا الطير لا يتناول الميتة مثل البازي الأهلي ونحوه لا يكره الوضوء وإنما يكره في الذي يتناول الميتة ، وروي عن أبي يوسف أيضا مثله حلية ( قوله وسواكن بيوت ) أي مما له دم سائل كالفأرة والحية والوزغة ، بخلاف ما لا دم له كالخنفس والصرصر والعقرب فإنه لا يكره كما مر ، وتمامه في الإمداد ( قوله طاهر للضرورة ) بيان ذلك أن القياس في الهرة نجاسة سؤرها ; لأنه مختلط بلعابها المتولد من لحمها النجس ، لكن سقط حكم النجاسة اتفاقا بعلة الطواف المنصوصة بقوله صلى الله عليه وسلم إنها ليست بنجسة ، إنها من الطوافين عليكم والطوافات " أخرجه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم ، وقال الترمذي حسن صحيح ; يعني أنها تدخل المضايق ولازمه شدة المخالطة بحيث يتعذر صون الأواني منها ، وفي معناها سواكن البيوت للعلة المذكورة ، فسقط حكم النجاسة للضرورة وبقيت الكراهة لعدم تحاميها النجاسة ، وأما المخلاة فلعابها طاهر فسؤرها كذلك ، لكن لما كانت تأكل العذرة كره سؤرها ولم يحكم بنجاسته للشك ، حتى لو علمت النجاسة في فمها تنجس ، ولو علمت الطهارة انتفت الكراهة .

وأما سباع الطير فالقياس نجاسة سؤرها كسباع البهائم بجامع حرمة لحمها والاستحسان طهارته ; لأنها تشرب بمنقارها وهو عظم طاهر ، بخلاف سباع البهائم ; لأنها تشرب بلسانها المبتل بلعابها النجس ، لكن لما كانت تأكل الميتة غالبا أشبهت المخلاة فكره سؤرها ، حتى لو علم طهارة منقارها انتفت الكراهة هكذا قرروا ، وبه علم أن طهارة السؤر في بعض هذه المذكورات ليست للضرورة بل على الأصل فتنبه ( قوله مكروه ) لجواز كونها أكلت نجاسة قبيل شربها .

وأفاد في الفتح أنه لو احتمل تطهيرها فمها زالت الكراهة حيث قال : ويحمل إصغاؤه صلى الله عليه وسلم الإناء للهرة على زوال ذلك التوهم ، بأن كانت في مرأى منه في زمان يمكن فيه غسلها فمها بلعابها . وأما على قول محمد فيمكن بمشاهدة شربها من ماء كثير أو مشاهدة قدومها عن غيبة يجوز معها ذلك ، فيعارض هذا التجويز بتجويز أكلها نجسا قبيل شربها فيسقط فتبقى الطهارة دون كراهة ; لأن الكراهة ما جاءت إلا من ذلك التجويز وقد سقط ، وعلى هذا لا ينبغي إطلاق كراهة أكل فضلها والصلاة إذا لحست عضوا قبل غسله كما أطلقه شمس الأئمة وغيره ، بل يقيد بثبوت ذلك التوهم ; أما لو كان زائلا بما قلنا فلا . ا هـ وأقره في البحر وشرح المقدسي ، وهو خلاف ما قدمناه عن المنية تأمل ( قوله تنزيها ) قيد به لئلا يتوهم التحريم .

مطلب . الكراهة حيث أطلقت فالمراد منها التحريم قال في البحر : واعلم أن المكروه إذا أطلق في كلامهم فالمراد منه التحريم إلا أن ينص على كراهة التنزيه ، فقد قال المصنف في المصفى : لفظ الكراهة عند الإطلاق يراد بها التحريم . قال أبو يوسف : قلت لأبي حنيفة : إذا قلت في شيء أكرهه فما رأيك فيه ؟ قال : التحريم . ا هـ ( قوله في الأصح ) الخلاف إنما هو في سؤر الهرة . قال في البحر : وأما سؤر الدجاجة المخلاة فلم أر من ذكر خلافا في المراد من الكراهة ، بل ظاهر كلامهم أنها [ ص: 225 ] كراهة التنزيه بلا خلاف ; لأنها لا تتحامى النجاسة ، وكذا في سباع الطير وسواكن البيوت . ا هـ ( قوله كأكله لفقير ) أي أكل سؤرها : أي موضع فمها ، وما سقط منه من الخبز ونحوه من الجامدات ; لأنه لا يخلو من لعابها ، وليس المراد أكل ما بقي أي مما لم يخالطه لعابها بخلاف المائع كما أوضحه في الحلية .

وأفاد الشارح كراهته لغني ; لأنه يجد غيره ، وهذا عند توهم نجاسة فمها كما قدمناه عن الفتح قريبا . [ فرع ] تكره الصلاة مع حمل ما سؤره مكروه كالهرة . ا هـ بحر عن التوشيح . قلت : وينبغي تقييده بالتوهم أيضا كما علمته مما مر ، ويظهر منه كراهة الصلاة بثوب أصابه السؤر المكروه كما ذكره في الحلية .

مطلب : ست تورث النسيان [ نكتة ] قيل ست تورث النسيان : سؤر الفأرة ، وإلقاء القملة وهي حية ، والبول في الماء الراكد ، وقطع القطار ، ومضغ العلك ، وأكل التفاح ، ومنهم من ذكره حديثا ، لكن قال أبو الفرج بن الجوزي إنه حديث موضوع بحر وحلية ، وإطلاق التفاح هنا موافق لما في كتب الطب من أنه أكله مورث للنسيان . وذكر بعضهم الحديث مقيدا التفاح بالحامض .

[ تتمة ] زاد بعضهم : مما يورث النسيان أشياء : منها العصيان ، والهموم والأحزان بسبب الدنيا ، وكثرة الاشتغال بها ، وأكل الكزبرة الرطبة ، والنظر إلى المصلوب ، والحجم في نقرة القفا ، واللحم الملح ، والخبز الحامي ، والأكل من القدر وكثرة المزح ، والضحك بين المقابر ، والوضوء في محل الاستنجاء ، وتوسد السراويل أو العمامة ، ونظر الجنب إلى السماء وكنس البيت بالخرق ، ومسح وجهه أو يديه بذيله ، ونفض الثوب في المسجد ، ودخوله باليسرى وخروجه باليمنى ، واللعب بالمذاكير أو الذكر حتى ينزل ، والنظر إليه ، والبول في الطريق أو تحت شجرة مثمرة أو في الماء الراكد أو في الرماد ، والنظر إلى الفرج أو في مرآة الحجام ، والامتشاط بالمشط المكسور وغير ذلك ولسيدي عبد الغني فيها رسالة




الخدمات العلمية