الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وحكم مسح جبيرة ) هي عيدان يجبر بها الكسر ( وخرقة قرحة وموضع فصد ) وكي ( ونحو ذلك ) كعصابة جراحة ولو برأسه [ ص: 279 ] ( كغسل لما تحتها ) فيكون فرضا يعني عمليا لثبوته بظني ، وهذا قولهما ، وإليه رجع الإمام خلاصة وعليه الفتوى شرح مجمع . وقدمنا أن لفظ الفتوى آكد في التصحيح من المختار والأصح والصحيح . [ ص: 280 ] ثم إنه يخالف مسح الخف من وجوه ذكر منها ثلاثة عشر ، فقال ( فلا يتوقف ) ; لأنه كالغسل حتى يؤم الأصحاء ، ولو بدلها بأخرى أو سقطت العليا لم يجب إعادة المسح بل يندب

التالي السابق


( قوله قرحة ) بمعنى الجراحة . قال في القاموس : وقد يراد بها ما يخرج من البدن من بثور ، وفي القاف الضم والفتح نهر ( قوله وموضع ) بالجر عطفا على قرحة ط ( قوله كعصابة جراحة ) العصابة بالكسر ما يعصب به ، وكأنه خص القرحة بالمعنى الثاني ، أو أراد بخرقتها ما يوضع عليها كاللزقة فلا تكرار أفاده ط ( قوله ولو برأسه ) خصه بالذكر لما في المبتغى أنه لا يجب المسح ; لأنه بدل عن الغسل ولا بدل له . ا هـ . والصواب خلافه ; لأن المسح على الرأس أصل بنفسه لا بدل ، غير أنه إن بقي من الرأس ما يجوز المسح عليه مسح عليه وإلا فعلى العصابة كما في البدائع ، أفاده في البحر .

أقول : قوله والصواب خلافه يفيد أن كلام المبتغى خطأ أي بناء على ما فهمه من معنى البدلية وهو بعيد . والظاهر أن معنى قول المبتغى ; لأنه بدل إلخ أن المسح على الجبيرة بدل من الغسل ، وإذا وجب مسح الجبيرة على الرأس الذي وظيفته المسح لزم أن يكون المسح على الجبيرة بدلا عن المسح لا عن الغسل ، والمسح لا بدل له ; [ ص: 279 ] فالمناسب حينئذ قول النهر : إن ما في البدائع يفيد ترجيح الوجوب ، وهو الذي ينبغي التعويل عليه . ا هـ . أي بناء على منع قوله المسح بدل عن الغسل ، وقد أوضح معنى البدلية في البحر فراجعه .

( قوله فيكون فرضا ) أي حيث لم يضره كما سيأتي .

مطلب الفرق بين الفرض العملي والقطعي والواجب ( قوله يعني عمليا ) دفع لما يقتضيه ظاهر التشبيه ; لأن الغسل فرض قطعي ، والفرض العملي ما يفوت الجواز بفوته كمسح ربع الرأس ، وهو أقوى نوعي الواجب ، فهو فرض من جهة العمل ، ويلزم على تركه ما يلزم على تركه الفرض من الفساد لا من جهة العلم والاعتقاد ، فلا يكفر بجحده كما يكفر بجحد الفرض القطعي ; بخلاف النوع الآخر من الواجب كقراءة الفاتحة ، فإنه لا يلزم من تركه الفساد ولا من جحوده الإكفار ( قوله لثبوته بظني ) وهو ما رواه ابن ماجه عن { علي رضي الله عنه قال : انكسرت إحدى زندي فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسح على الجبائر } وهو ضعيف ، ويتقوى بعدة طرق ، ويكفي ما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما " أنه مسح على العصابة " فإنه كالمرفوع ; لأن الأبدال لا تنصب بالرأي بحر ( قوله وإليه رجع الإمام إلخ ) اعلم أن صاحب المجمع ذكر في شرحه أنه مستحب عنده واجب عندهما ، وقيل واجب عنده فرض عندهما ، وقيل : الوجوب متفق عليه ، وهذا أصح وعليه الفتوى . ا هـ . وفي المحيط : ولا يجوز تركه ولا الصلاة بدونه عندهما . والصحيح أنه عنده واجب لا فرض ، فتجوز الصلاة بدونه ، وكذا صححه في التجريد والغاية والتجنيس وغيرها . ولا يخفى أن صريح ذلك فرض أي عملي عندهما واجب عنده ، فقد اتفق الإمام وصاحباه على الوجوب بمعنى عدم جواز الترك ، لكن عندهما يفوت الجواز بفوته فلا تصح الصلاة بدونه أيضا ، وعنده يأثم بتركه فقط مع صحة الصلاة بدونه ، ووجوب إعادتها ، فهو أراد الوجوب الأدنى ، وهما أرادا الوجوب الأعلى . ويدل عليه ما في الخلاصة أن أبا حنيفة رجع إلى قولهما بعد جواز الترك فقيد بعدم جواز الترك ; لأنه لم يرجع إلى قولهما بعدم صحة الصلاة بتركه أيضا ، فلا ينافي ما مر مع تصحيح أنه واجب عنده لا فرض ، وعليه فقوله في شرح المجمع وقيل : الوجوب متفق عليه ، معناه عدم جواز الترك لرجوع الإمام عن الاستحباب إليه ، فليس المراد به الاتفاق على الوجوب بمعنى واحد ، هذا ما ظهر لي .

ثم رأيت نوحا أفندي نقله عن العلامة قاسم في حواشيه على شرح المجمع بقوله : معنى الوجوب مختلف ; فعنده يصح الوضوء بدونه وعندهما هو فرض عملي يفوت الجواز بفوته . ا هـ - ولله الحمد - فاغتنم هذا التحرير الفريد ، فقد خفي على الشارح والمصنف في المنح وصاحب البحر والنهر وغيرهم فافهم .

هذا ، وقد رجح في البدائع قول الإمام بأنه غاية ما يفيده الوارد في المسح عليها ، فعدم الفساد بتركه أقعد بالأصول . ا هـ لكن قال تلميذه العلامة قاسم في حواشيه إن قوله أقعد بالأصول وقولهما أحوط . وقال في العيون : الفتوى على قولهما . ا هـ ( قوله وقدمنا إلخ ) جواب عما في المحيط وغيره من تصحيح أنه واجب عنده لا فرض حتى تجوز الصلاة بدونه : أي إن هذا التصحيح لا يعارض لفظ الفتوى ; لأنه أقوى ، وهذا مبني على ما فهم تبعا لغيره من اتحاد معنى الوجوب في عبارة شرح المجمع ، وأن المراد به الفرض العملي عند الكل ، وقد علمت خلافه وأنه [ ص: 280 ] لا تعارض بين كلامهم ( قوله ثم إنه ) أي مسح الجبيرة وثم للتراخي في الذكر ( قوله ذكر منها ) أفاد أنها أكثر وهو كذلك ( قوله فلا يتوقف ) أي بوقت معين وإلا فهو موقت بالبرء بحر ( قوله حتى يؤم الأصحاء ) ; لأنه ليس بذي عذر ط ولم يظهر لي وجه هذا التفريع هنا ، ثم رأيته في [ خزائن الأسرار ] ذكر التفريع بعد قوله الآتي لا مسح خفها بل خفيه بقوله ; لأن طهارته كاملة حتى يؤم الأصحاء . ا هـ ظاهر ; لأن عدم الجمع بين مسح الجبيرة ومسح الخف مبني على أن مسحها كالغسل كما نذكره ( قوله ولو بدلها إلخ ) هذان الوجهان زادهما الشارح على الثلاثة عشر المذكورة في المتن ( قوله لم يجب ) وعن الثاني أنه يجب المسح على العصابة الباقية نهر




الخدمات العلمية