الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        من نصب حاكما في الجرح والتعديل اعتبر فيه صفات القضاة ، ومن شهر بالعدالة أو الفسق ، اشترط فيه صفات الشهود ، ويشترط مع ذلك العلم بالعدالة والفسق وأسبابهما ، وأن يكون المعدل خبيرا بباطن حال من يعدله لصحبة أو جوار أو معاملة ونحوها ، قال في " الوسيط " : ويلزم القاضي أن يعرف أن المزكي خبير بباطن الشاهد في كل تزكية إلا إذا علم من عادته أنه لا يزكي إلا بعد الخبرة ، ثم ظاهر لفظ الشافعي - رحمه الله - اعتبار التقادم في المعرفة الباطنة ؛ لأنه لا يمكن الاختبار في يوم أو يومين ، ويشبه أن يقال : شدة الفحص والإمعان تقوم مقام التقادم في المعرفة الباطنة .

                                                                                                                                                                        ويمكن الاختبار في مدة يسيرة ، وليس ذكر التقادم على سبيل الاشتراط ، بل لأن الغالب أن المعرفة الباطنة لا تحصل إلا بذلك ، ويوضح هذا ما ذكرنا أن القاضي يأمر بالبحث ، ليعرف حال الشاهد فيزكيه ، ولو اعتبرنا التقادم لطالت المدة ، وتضرر المتداعيان بالتأخير الطويل .

                                                                                                                                                                        أما الجرح ، فيعتمد فيه المعاينة أو السماع ، فالمعاينة أن يراه يزني أن يشرب الخمر ، والسماع بأن يسمعه يقذف ، أو يقر على نفسه بزنا أو شرب خمر ، فإن سمع من [ ص: 171 ] غيره ، نظر إن بلغ المخبرون حد التواتر جاز الجرح لحصول العلم ، وكذا إن لم يبلغ التواتر ، لكن استفاض ، جاز الجرح أيضا ، صرح به ابن الصباغ والبغوي وغيرهما . ولا يجوز الجرح بناء على خبر عدد يسير ، لكن يشهد على شهادتهم بشرط الشهادة على الشهادة ، وذكر البغوي تفريعا على قول الإصطخري في أن الحكم بقول أصحاب المسائل أنه يجوز أن يعتمد فيه أصحاب المسائل خبر واحد من الجيران إذا وقع في نفوسهم صدقه ، وهل يشترط ذكر سبب رؤية الجرح أو سماعه ؟ وجهان أحدهما : نعم ، فيقول مثلا : رأيته يزني ، وسمعته يقذف .

                                                                                                                                                                        وعلى هذا القياس يقول في الاستفاضة : استفاض عندي .

                                                                                                                                                                        والثاني - هو المذكور في " الشامل " - : لا حاجة إليه ، وليس للحاكم أن يقول : من أين عرفت حاله ، وعلى أي شيء بنيت شهادتك ؟ كما في سائر الشهادات ، وهذا أقيس ويحكى عن ابن أبي هريرة ، والأول أشهر .

                                                                                                                                                                        ولا يجعل الجارح بذكر الزنى قاذفا للحاجة ، كما لا يجعل الشاهد قاذفا ، فإن لم يوافقه غيره ، فليكن كما لو شهد ثلاثة بالزنى هل يجعلون قذفة ؟ فيه القولان .

                                                                                                                                                                        قلت : المختار أو الصواب أنه لا يجعل قاذفا ، وإن لم يوافقه غيره ؛ لأنه معذور في شهادته بالجرح ، فإنه مسئول عنهما وهي في حقه فرض كفاية أو متعينة فهو معذور بخلاف شهود الزنى ، فإنهم مندوبون إلى الستر ، فهم مقصرون ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو أخبره بعدالته من يحصل بخبره الاستفاضة وهم من أهل الخبرة بباطن من يعدلون ، لم يبعد أن يجوز له تعديله بذلك ، وتقام خبرتهم مقام خبرته ، كما أقيم في الجرح رؤيتهم مقام رؤيته .

                                                                                                                                                                        [ ص: 172 ] فرع

                                                                                                                                                                        وينبغي أن يكون المزكون وافري العقول لئلا يخدعوا وبرآء من الشحناء والعصبية في النسب والمذهب ويجتهد في إخفاء أمرهم لئلا يشهروا في الناس بالتزكية ، وهل يشترط لفظ الشهادة من المزكي ؟ وجهان أصحهما : نعم فيقول : أشهد أنه عدل .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يجوز أن يزكي أحد الشاهدين الآخر ، وفيه وجه ضعيف . وعن كتاب حرملة أنه لو شهد اثنان ، وعدلهما آخران لا يعرفهما القاضي ، وزكى الآخرين مزكيان للقاضي ، جاز . ولو زكى ولده أو والده لم يقبل على الصحيح ، وبه قطع العبادي وغيره .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا تثبت العدالة بمجرد رقعة المزكي على الصحيح ؛ لأن الخط لا يعتمد في الشهادة كما سبق ، وجوزه القاضي حسين للاعتماد على الرقعة ، قال في " الوسيط " تفريعا على الأول : يكفي رسولان مع الرقعة ، وأن الصحيح وجوب المشافهة وهذا ظاهر إن كان القاضي يحكم بشهادة المزكين ، فأما إن ولي بعضهم الحكم بالعدالة والجرح ، فليكن كتابه ككتاب القاضي إلى القاضي ، وليكن الرسولان كالشاهدين على كتاب القاضي .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يقبل الجرح المطلق ، بل لا بد من بيان سببه ، ولا حاجة إلى بيان سبب التعديل ؛ لأن أسبابه غير منحصرة ، وفيه وجه ضعيف حكاه في [ ص: 173 ] العدة ، وليس بشيء والأصح أنه يكفي أن يقول : هو عدل .

                                                                                                                                                                        وقيل : ويشترط أن يقول : عدل علي ولي ، وهو ظاهر نصه في " الأم " والمختصر لكن تأوله الأولون أو جعلوه تأكيدا لا شرطا .

                                                                                                                                                                        ولا يحصل التعديل بقوله : لا أعلم منه إلا خيرا ، أو لا أعلم منه ما ترد به الشهادة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية